Site icon IMLebanon

هل يضمن شراء الذهب والماس”الآخرة” في لبنان؟

 

 

بين fake news وfact check

 

كل شيء مفقود، تائه، ضائع، ضال في بلدنا إلا الثرثرة! فها قد استفقنا البارحة على خبرين إنتشرا بسرعة البرق: أولهما، ميشال زغيب، صاحب مجوهرات ميشال زغيب، باع بدل الماس زجاجاً وفرّ الى أستراليا. الخبر الثاني: سليم الحص (92 عاماً) رئيس وزراء لبنان السابق، أصبح في دنيا الحق. بلبلة وثرثرة وملح وبهار على الخبرين وعناوين فاقعة جذبت الى أن تبين الخيط الابيض من الاسود تحت عنوان: fake news. فهل هناك من يتسلّون في آخر الليل وأول الصباحات أم هناك من أراد تدمير ما تبقى من سمعة قطاع الذهب والمجوهرات في لبنان والتسلّي بأرواح آخر رجالات الدولة في لبنان؟

 

سليم الحص حيّ يُرزق. مستشاره رفعت بدوي أكد ذلك مضيفاً: هو بخير وبصحة جيدة. نقلب في أخبار سليم الحص فنراهم قد “موتوه” في 2020 وفي 2019 و2018 و2016 و2014! كما روجوا لموتِ سواه. نحمد الله على سلامة الرئيس الحص. ولنبحث في الخبر الآخر: خبر بيع أحد ابرز أسماء تجار المجوهرات في لبنان ميشال زغيب زجاجاً بدل الألماس.

 

نقيب الصاغة والجوهرجيي في لبنان أنطوان مغني ليس في محله. هو في الجبل. وسمع للتو مثلنا الخبر. ولن يتكلم به الى حين “يستفسر” عنه من ميشال زغيب نفسه. والى حين يفعل إتصلنا بمكتب ميشال زغيب في جونيه فأجاب. هو هنا لا في أستراليا. لم يهرب. فلماذا قيل ما قيل عنه؟ هل هناك من يستهدفه شخصياً أم أن الإستهداف الأول هو للقطاع ككل؟

 

دعوى من زغيب

 

في العلن، يضحك ميشال زغيب كثيراً لهذا الخبر جازماً أنه هنا، في لبنان، وهو الذي لم يسافر في عشرين شهراً إلا مرة واحدة الى إربيل حيث فتح محلاً للمجوهرات هناك. وهو كان ينوي السفر صباح اليوم مجدداً الى هناك لكنه ألغى رحلته. ويقول: “عائلتي منذ عام ونصف في أستراليا واليوم، لو أردت بالفعل اللحاق بها لما استطعت. فأستراليا أقفلت حدودها بسبب كورونا حتى لمن أمام من يحمل جنسيتها. واليوم (صباح البارحة) قدمت دعوى أمام النيابة العامة في شأن الخبر الكاذب الذي نُشر. وسأصدر (وهو ما عاد وفعله) بياناً في الموضوع. أما من “عتلوا همّاً” على الماس الذي اشتروه من محالنا فأطلب منهم التأكد منه، فنحن نعمل منذ عقود في هذا القطاع ولا غبار حولنا. ويستطرد: هناك من قال مجوهرات زغيب. هناك ثلاث شركات باسم مجوهرات زغيب أما أنا فميشال زغيب. ليتأكدوا من أي خبر قبل نشره”.

 

لماذا طاولته الإشاعة هو لا سواه؟ يجيب: “ربما لأن عيد زواجي صودف قبل ثلاثة أيام واحتفلت به “أونلاين” وضجت صفحات “السوشيل ميديا” به فأراد أحدهم تدمير إسمي لغاية في نفسه. ربما”.

 

ربما هذا ما حدث لكن الأكيد أن قطاعات لبنان التي تتهاوى ليس قطاع الذهب والمجوهرات في منأى عنها. فلنسأل نقيب معلمي صناعة الذهب والمجوهرات في لبنان بوغوص كورديان عن الخبر الذي نُشر وحال القطاع المجمّد العليل؟ فلنبحث عن الحقيقة، فلنتحقق من fact check؟

 

يتحدث كورديان عن قطاع مجوهرات في لبنان شبه مشلول بنسبة تزيد عن 85 في المئة اليوم، وهناك نحو 15 في المئة من تجار وصانعي المجوهرات يصمدون من خلال مشاركتهم بالمعارض. ويقول: فقد اللبناني القدرة شبه الكاملة على شراء المجوهرات. وراتب اللبناني أصبح يعادل 3 غرامات من الذهب. هذا إذا فرضنا أنه يتقاضى شهريا مئة وثمانين دولاراً. فسعر الغرام الواحد يتراوح بين خمسين وستين دولاراً. أما في ما خص شائعة زيف الألماس في متجر ميشال زغيب فكان يفترض بناشري الخبر التحقق منه. يضيف: هناك ثلاث شركات باسم زغيب لثلاثة إخوة إنفصلوا عن بعضهم. وقانونياً، من أجل التحقق من هكذا خبر يفترض أن نعرف من ادعى بأن ماساته مغشوشة. ومن قال له إنها بالفعل زجاج لا ألماس. وهذا لا يمكن التحقق منه إلا من خلال خبراء. لأن من تضرر من هذا الخبر ليس ميشال زغيب وحده بل ما تبقى من كل القطاع. ويحق لكل من تضرر رفع دعوى شرف وحبس على كل من شارك في نشر هكذا خبر. فهذه الإساءة تُفقد الثقة بالجميع وبصناعة المجوهرات في لبنان”.

 

سؤال يُطرح: من هو الخبير القادر على تحديد زيف المجوهرات أو صدقيتها؟ هل النقيب كورديان قادر مثلا على ذلك؟ يجيب “هذه مهنة يفترض أن نتعلمها. وقلة قليلة جداً قادرة على تحديد ذلك. فحتى أصحاب الواجهات يعجزون عن ذلك. ونحن بتنا نستطيع تحديد ذلك من خلال “الإحساس” لكثرة ما عملنا في هذا القطاع”.

 

 

لكن الإحساس قد يُخطئ أحيانا ولا يمكن الإتكال عليه دائما؟ يجيب كورديان: “يمر كثير من أنواع الألماس والمجوهرات أمام الصناعي لذا يتمكن من معرفة قيمة كل جوهرة ولو على بعد كيلومترات. أما للمزيد من التحقق فيفترض إرسالها الى مختبرات خاصة بالسوليتير”. هل في لبنان هكذا مختبرات؟ يجيب: “لا، لكن فيه خبراء”. والحلّ؟ “حيازة ورقة تحدد قيمة الذهب بدقة من محل المجوهرات ومواصفات القطعة وحجمها ونوعيتها من أجل تحديد الحق والحلال”.

 

أصحاب الواجهات ليسوا المرجع الذي يُركن إليه لتحديد مواصفات المجوهرات والألماس ونقطة على السطر. فهناك من يضعون خاتما ماسياً على الميزان ويشترونه على أنه مجرد ذهب”.

 

أصحاب الواجهات ليسوا خبراء

 

لديكم قطعة ذهبية فيها حجر؟ قد يكون ماسة وقد يكون زجاجة. ولا تغفلوا أبدا أن “الجوهرجي” الواقف أمامكم هو جاهل كما أنتم. فأصحاب الواجهات تجار وليسوا خبراء فعليين. وسؤالنا هو: هناك محال ذات أسماء كبيرة تجري تخفيضات من حين الى آخر على الألماس تصل الى خمسين في المئة فهل هذا يجوز؟ هل ربح تلك المحال يزيد عن خمسين في المئة؟ يجيب النقيب كورديان: “كلفة الألماس عالية أكثر بكثير من الذهب والتجار يضعون عليه ارباحاً عالية على اعتبار انه تجارة حرة والأمر الوحيد الذي يضبط الوضع، من شراء وبيع، هو حيازة ورقة تحدد المواصفات وتثبت دقتها. ناهيكم عن أن الأرباح على المجوهرات عالية جداً تزيد أحيانا عن 60 في المئة على إعتبار أن الرأسمال يكون كبيراً والتاجر يحتاج أن ينتظر طويلا قبل بيع قطعة ما. في حين أنه لو وضع أمواله في البنوك (سابقاً طبعاً) لكان تقاضى فوائد عالية”.

 

ونحن نبحث عن زيف الألماس من صحته و”الورقة” التي يفترض حيازتها وتحدد قيمة ونوعية كل قطعة نتذكر أن للدولة اللبنانية مظلة من الذهب تبلغ 286,5 طناً في الولايات المتحدة الأميركية، تشبه وجود أموال رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور في البنوك اللبنانية. فهناك، في الولايات المتحدة الأميركية، أعطوا لبنان صكاً بها، وهنا، في لبنان، أعطوا الحبتور صكا أيضا بها. والورقة التي في حوزتنا عن ماسات في خزائننا قد تكون مماثلة.

 

بيع وشراء… وثقة

 

ماسات ميشال زغيب ليست مزيفة (حتى إشعار آخر) لكن كل ما نشتريه قد يخسر من قيمته. “حتى الليرات الذهبية، بحسب أنطوان مغني، تخسر على الاقل 10 في المئة من قيمتها بين البيع والشراء. أما المجوهرات المشغولة فتخسر نحو 50 في المئة من سعرها. والماس الخام (غير المزيف أو المخلوط بحجارة مصنعة) يخسر أيضا بين 15 و20 في المئة من سعره. اما الألماس المشغول في قطع حلي فيخسر نحو خمسين في المئة ايضا”.

 

نستورد الألماس في لبنان من الهند وبلجيكا. أما الأحجار الكريمة فتصل من الخارج مع شهادات. أما الذهب الصافي فنستورده من سويسرا. ولا ضرائب على الألماس الذي يصل الى لبنان بالجملة مع شهادات من الخارج. وهناك ألماس يباع بلا شهادات يرتكز بيعه أو شراؤه على الثقة. والثقة كما تعلمون باتت مفقودة.

 

هناك تجارة راجت أخيرا لبيع الذهب أونلاين. هناك من يبيعه ونشتريه من مصادر لا نعرفها. وفي كل عملية تحصل هناك مجال كبير للزيف والتلاعب والإحتيال. لذا الإنتباه ضروري وواجب. ومن تخبئ الماسات والذهب الى “آخرتها” قد يحصل ما حصل مع من خبأوا القرش الأبيض في البنوك اللبنانية لليوم الاسود.

شيء آخر يلفت إليه النقيب كورديان لمن يهمه الأمر وهو أن “وضع أونصة الذهب مستقر حاليا بين 1780 دولاراً و1800 دولار ولا صعود حاد أو نزول حاد”.

 

نعود لنسأل عن الاخبار المزيفة التي تتسرب يومياً ونتناقلها على أنها حقيقة. إنها سلاح فتاك. إنه ثرثرة أشبه بالسلاح النووي. وهو يسري بسرعة رهيبة كما النار في الهشيم. لا تصدقوا؟ قولوا اليوم ميشال زغيب وستسمعون من يخبركم عن بيع هذا الرجل الزجاج بدل الألماس. فالخبر المضلل أسرع بكثير من الخبر الحقيقي المصحح. جربوا تتأكدوا.