Site icon IMLebanon

يوميات نائب.. فاعل: ليتني الحريري أو جنبلاط!

الطقس جميل في الخارج. الشمس حارقة لا يشبه حالها أحوال أول أيّام شهر آذار. يستفيق الرّجل. يغسل وجهه ويتوجّه مباشرةً إلى الشرفة. القهوة الصباحيّة وفطوره بانتظاره. يسكب فنجاناً ويقلّب صفحات الصحف المرتّبة على طاولته. يبتسم حيناً ويغضب أحياناً.

هو يعرف أنّ النّصاب لن يكتمل ولن يتمّ انتخاب رئيس، ومع ذلك يفضّل النائب أن يتوجّه إلى ساحة النّجمة. يتّصل بمسؤول أمنه ويأمره بأن يحضّر «الشباب» ويخرج جميع السيّارات من المرأب، المصفّحة منها وغير المصفّحة. «معرض السيارات الفخمة سينطلق بعد قليل»، يضحك الرّجل من هذه الفكرة، برغم علمه بصحتها. يتذكّر أنّه نصح أحد أصدقائه المهووسين بالسيارات أن يرافقه في رحلة إلى باحة ساحة النّجمة حتى يتمكّن من مشاهدة أفخم السيّارات الحديثة واستطلاع أرقام السيارات المميزة مجتمعة في مكان واحد.

يشيح الفكرة عن رأسه وهو يرتّب ياقة قميصه. يُفتح الباب. تظهر زوجته بكامل أناقتها وهي تحاول إقناعه بأن يرافقها في مشوار مهمّ. لم تنفع كلّ المحاولات من ثنيه عن واجبه الوطنيّ. يغضب منها لأنّها تؤكّد له أنّ حضوره لن يقدّم أو يؤخّر ما دام «الضوء الخارجي» لم يصبح أخضر.

دقائق ويصل إلى الشجرة التي تظلّل ساحة مجلس النواب. ينظر حوله بانتظار خروج «الشباب». يفتح أحدهم بابه. ينتظر وهو يتأمّل المشهد. طوابير من الصحافيين والمصوّرين يصطفون على يمين الباب الرئيسي ويساره. يسرّح شعره سريعاً بيديه حتى تكون الصورة أجمل. فهو دائم التّفكير بجماهيره الغفيرة. ولذلك يفضّل أن يطلّ عليهم بأبهى حلله بعدما اشتاقوا إليه من كثرة البعاد. يتذكّر حينما حملوه على الأكف، يحاول أن يتذكّر اسم العجوز التي رقصت له بعد إعلان النتائج، ولكن ليس للأمر أهميّة، المهمّ أنه حمل إرث والده.

تفتح أبواب السيارة. ينزل، ويتوجّه إلى الباب وهو محاط بالأمن. يعدّل في مشيته، يرفع وجهه للأعلى ويهزّ كتفيه. «إنّه التعريم». يعرف ذلك ويفكّر بكلّ هذا المجد. «دكتور.. دكتور» يسمع باسمه، يلتفت، يلوّح، يتكشّف ثغره عن ابتسامةٍ سرعان ما تختفي، يومئ برأسه علامة الـ «أهلا» ثم يرفع قدميه ويخطو باتجاه السلالم.

المشهد نفسه. الصحافيون والمصوّرون في كلّ مكان. يحتار إلى أي كاميرا يلوّح، وعلى أي صحافيّ يردّ السّلام. يستعيض عن كلّ ذلك بنظرة شاملة. يقع نظره على رئيس مصلحة الإعلام محمد بلوط يصافحه ويدخل باتّجاه القاعة العامة. يفرح حينما يهمّ الموظف المسؤول بتسجيل اسمه على لائحة الحاضرين. يجول في خاطره لو كان بإمكانه أن يصطحب زوجته وترى بأمّ عينها أن وجوده مهمّ.

يجول بنظره على المجلس الذي بات لا يدوسه إلّا لجلسات قهوة واطمئنان على الزملاء. يربّت على كتف الشخص الذي يحمل صينيّة القهوة ويغمز له بفنجان «على ذوقك».

يلتفت ويتذكّر من تبرّع بالسّاعة الموضوعة على طرف المدخل والتي تعمل على المياه. يسأل نفسه عن الشخص الذي وضع أنامله على ديكور المدخل. يرسم صورة عنه وكيف نزل الوحي عليه لاختبار ألوان كهذه. ينظر إلى التماثيل التعبيريّة الأربعة التي تتوزّع في المدخل. يضحك في سرّه لأنّه متأكد أنّ لا أحد من النوّاب الـ127 يفقه دلالات هذه التماثيل. أما هو فتعني له الكثير. تذكّره بأحواله وزملائه. «حركة بلا بركة» يقول في نفسه ويبتسم.

الدّخول إلى القاعة العامّة هذه المرة فيه غصّة. العيون والكاميرات ستتسمر على الرجل الأنيق الذي «يتمختر» بين زملائه.. أكل سعد الحريري الجو.

يحصر أفكاره ويتذكّر متى رأى فيها سعد الحريري لآخر مرّة في مجلس النوّاب. يجمع الذكريات والصور ولا يجد إلا وجه فؤاد السنيورة ضاحكاً!

يحاول أن يخفّف من وطأة غياب الحريري عن المجلس، ويذكّر نفسه بموقف «حزب الله» وميشال عون من مقاطعة جلسات انتخاب رئيس، فيعود ويمشي ملكاً لأنّه يحاول انتخاب رئيس وسيكتب التاريخ اسمه من بين المشاركين في الجلسات التي لا تعدّ ولا تحصى لانتخاب رئيس.

يبحث بعينيه عن «الشيخ سعد». يسأل عن كيفيّة الطّريق للوصول إليه. يتمّسك بحبل الصّبر فالنواب «يحجّون» إليه، أمل أن يراه بعدما أنهى الحريري دردشته على الواقف مع وليد جنبلاط وجال على نواب «اللقاء الديموقراطي» متأبطاً يد مروان حمادة. يغضب لأن محمد كبارة تمكّن من اختراق «الحاجز البشري» وصافح «دولته». قد تبتعد نايلة تويني قليلاً أو قد يملّ سيرج طورسركيسيان من مزاحه. ويفتحان ربع الطريق أمامه.

لا شيء من هذا كلّه حصل. فحوّل نظره إلى اللقاء الجانبي في آخر القاعة بين الوزيرين علي حسن خليل ووائل أبو فاعور قبل أن ينضمّ إليهما الوزير أكرم شهيّب. بماذا يتحدّثون؟ يحاول أن يراقب الكلمات الخارجة من فم وزير الصحة من دون أن يفلح في ذلك.

تنفرج أساريره حينما يرى جنبلاط مقترباً من اللقاء الجانبي. لم يكد وجه «أبو تيمور» يلوح حتى وقف أبو فاعور وشهيّب لـ «ابن المعلّم».

كلّ هذه المحاولات فشلت، وبقيت عيناه مصوبتين نحو الحريري، حتى دخل الأمين العام للمجلس ليرفع الجلسة بسبب عدم اكتمال النّصاب.

لم يصعق أحد، بل خرج الجميع كما دخل. ينظر النائب حوله يبحث عمن يناديه لأخذ تصريح عاجل لأن «ما حدا أحسن من حدا»، إذ إنّ المشهد المعتاد هو: عشرات النوّاب يتناوبون بين ميكروفون وآخر وكأنّ كبتاً قد أصابهم جميعاً.

«كلام لا يقدم ولا يؤخر». يعرف ذلك تماماً، كما يعرف أنّه حفظ عن ظهر قلب ما قاله رئيسه وحاول إعادته بصيغة أخرى، إلا أنّه لم يتمكّن من منع نفسه من الظّهور أمام الكاميرات. هو يحلم بأن يصبح حينما يكبر «جنبلاط 3» أو «حريري 3»، لا يصدّق مشهد تهافت الصحافيين عليهما، فيما هو يكتفي بمذياع واحد والسّلام. كيف السبيل ليكون مثلهم؟ لا يدري، لكنّه يحاول.

يمسك غضبه ويخفّف عن نفسه: حالتي تبقى أفضل من أحوال جيلبرت زوين. يطمئن، يوزّع نفسه بين تصريح وآخر. تنطفئ الكاميرات. يعبر المدخل، يرفع رأسه، يلتفت يميناً ويساراً قبل أن ينهي النزهة الجميلة في يوم آذاري مشمس، خافت فيه حمامات المجلس من ازدحام السيارات المفاجئ.