IMLebanon

من يوميات… المسرح اللبناني

منذ زمن بعيد نُدرك أننا لم نعد نعيش في وطن إنما على خشبة مسرح كبير يمتد على طول «وطن الأرز»… مسرح تمتزج فيه يومياً ومن دون توقف التراجيديا بالكوميديا وتختلط فيه الأدوار بشكل سريع، والمصيبة الكبرى أننا فقدنا المخرج الذي يُجيد إدارة الممثلين والأحداث على خشبة مسرحنا، فأصبحنا جميعنا نشارك في هذا المسرح كممثلين ومشاهدين ونراقب من دون أن نتأثر بتقلّب الأدوار ونوعية المسرح وتبدل الديكور…

في الأسبوع المنصرم كنا ننتظر مشهد بداية الصيف ونتحضّر لانتهاء شهر رمضان لكي تتحرّك الأسواق وينتعش الاقتصاد، وكان المشهد مفرحاً يُعطي الأمل بصيف واعد، وإذا بأربعة انتحاريّين «انغماسيين» يتسلّلون فجراً الى بلدة القاع في البقاع، ويُفجّرون أنفسهم ويخلّفون وراءهم خمسة شهداء و16 جريحاً من أبناء البلدة البقاعية الحدودية.

ولم ينتهِ المشهد عند هذا الحد، فالمفاجأة الصاعقة، برزت ليلاً عندما ضربت موجة ثانية من التفجيرات كنيسة مار الياس وساحة البلدية حيث كان الأهالي يحضرون لجنازة الشهداء الذين سقطوا صباحاً…

ومع خطورة الحدث وبدلاً من أن يخرج علينا الممثلون الرئيسيون لطمأنتنا، أضاعونا بتصاريحهم التي غلب عليها الاستفهام وكأنهم مراقبون لا مسؤولون: من أين جاء هؤلاء الانتحاريون؟ وهل البلدة مستهدَفة أم البقاع أم لبنان؟ ومَن وراء الانفجار؟ أما تحليلاتهم المتضاربة التي أعقبت التفجيرات فكأنّها كانت تُخبرنا عن حادثتين مختلفتين وكلّ تحليل له أنصاره ومؤيّدوه، فغرقنا بها لدرجة أننا لم نعد نتذكر بأنّ هناك مَن استشهد ومَن فقد حبيباً أو صديقاً أو زوجاً…

ليسارع معظم المسؤولين بعد ذلك للمشاركة في جنازة الشهداء، فبدوا كسياح يحاولون التعرّف الى المنطقة وأهلها، فمعظمهم تطأ قدماه البلدة للمرة الاولى، لقاء غريب بين أهل قرية مفجوعة وساسة سائحين في بلدهم اضطرّتهم الظروف للوصول الى اقصى لبنان… وقفوا في باحة القرية كأنهم قادمون من الفضاء بثيابهم وسياراتهم الفارهة والمواكب الأمنية والمرافقين… لم يصدّقوا انتهاء الصلاة ليقفلوا عائدين الى منازلهم تاركين القرية وأهلها في عهدة القدر والفراغ…

تستكمل أعمال المسرحية باجتماع مجلس الأمن المركزي في السراي الحكومي رفض المشاركون فيه مقولة الامن الذاتي، وهي فكرة لم يطرحها أحد بالاساس… والأسوأ من كل ذلك أنّ رئيس هذا المجلس يُشجّع الأمن الذاتي عبر استبعاده جهازاً أمنياً لخلاف مع رئيسه ما يحمل الساسة الكاثوليك على الاستنفار وكأنّ المركز الأمني بات ملكاً لهم، من دون أن يشرح لنا أحد سبب هذا التغيّب في مشهد امني خطر ودقيق… وتتدرّج أحداث الأيام الماضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكأنّ بعضاً من الممثلين ينتظر مثل هذه الأحداث ليُفجّر بعضاً من مكنونات قلبه ومن مواهبه المكتومة، عبر كتابات نافرة ومقزّزة وخطرة من دون حسيب أو رقيب… وكأنّ المشاهدين لا تكفيهم التغطية غير الأخلاقية والمبتذلة وغير المسؤولة لبعض المراسلين والمراسلات عند وقوع أيّ حادث أمني…

إنه وصفٌ لأسبوع من هذا المسرح الذي نعيش وسطه بكلّ ما يحتويه من عناصر وأفكار وتشويق… مسرح مضطرون أنّ نعيش في داخله ومع أحداثه التي لا تنتهي مدركين جميعنا أننا أضَعنا البوصلة وأننا فقدنا حتى إشعار آخر المخرج الذي يستطيع أن يتحكّم بالأحداث ويُخرجنا من مآسينا… ويعبر بنا حقيقة الى رحاب الدولة.