في ظلّ حالة الجمود السياسي التي يعيشها لبنان حالياً، تتجه أنظار الجميع نحو الانتخابات النيابية المقبلة بوصفها الاستحقاق الذي يمكن أن يعيد إحياء الحياة السياسية.
وعلى الرغم من برودة التحضيرات لدى مختلف الأحزاب والقوى السياسية، الطامحة إلى إيجاد مكان لها في الندوة البرلمانية، إلا أن اهتماماً لافتاً يحظى به اللبنانيون المقيمون في الخارج خصوصاً بعدما سجل الراغبون منهم في المشاركة في الاقتراع نسبة مرتفعة تجاوزت الـ280% عن استحقاق العام 2018.
لذا، تخضع لوائح المسجّلين إلى قراءات مفصّلة يمكن أن يستدلّ منها المهتمون إلى اتجاهات الناخبين وخياراتهم السياسية.
فما الذي تقوله هذه الجداول؟ هذا ما حاولنا قراءته مع الخبير الانتخابي كمال فغالي، الذي لفت في بداية حديثه إلى عدد من الصعوبات التي رافقت قراءة الجداول وأبرزها اختلاط بعض الدوائر في وزارة الداخلية التي لم تفصل مثلاً بين صيدا والزهراني، عدم تحديد طوائف وبلدات المسجلين، وعدم نشر نتائج كل من دائرتي بيروت على حدة وكذلك الضنية والمنية. كما يلفت إلى عدم إمكانية الحسم في الاحتمالات التي يضعها، في حال لم تتوفر إمكانية فتح دوائر في مختلف أماكن تواجد المغتربين لتحديد نسبة الاقتراع مما قد يحدّ من إمكانية التصويت.
النسب الأكثر ارتفاعاً
بداية يلاحظ فغالي، زيادةً نسبتها 281% في أعداد الذين تسجلوا في العام 2022 (233 ألفاً و466 ناخباً) عن الذين سجّلوا أسماءهم للاقتراع في استحقاق 2018 (82 ألفاً و276 ناخباً).
لا يحسم فغالي سبب هذا الارتفاع: يمكن أن تكون حماسة عفوية من اللبنانيين نتيجة الظروف التي يشهدها لبنان حالياً، ويمكن التساؤل ما إذا كانت هناك قوى سياسية قد بدأت حملاتها الانتخابية في الخارج؟ في الحالتين، لا يمكن تجاهل هذا الارتفاع وإمكانية أن يحدث أثراً في نتائج الانتخابات (في انتظار ردّ المجلس الدستوري على الطعن المقدّم في التعديلات التي أقرّت على قانون الانتخابات).
وفي قراءة لهذه الزيادات في الدوائر، بالتوازي مع نسب الاقتراع في استحقاق 2018، يلاحظ فغالي:
تجاوزت نسب الزيادة في كلّ من دائرتي بيروت الأولى وبيروت الثانية (353%)، علماً أن نسبة الاقتراع في استحقاق 2018 كانت، على التوالي، 57.1% و60.6%
تليها دائرة جبل لبنان الثالثة (بعبدا) حيث وصلت النسبة إلى 323.9%، مع ملاحظة أن نسبة الاقتراع في استحقاق 2018 كانت 57.7%
في الشمال الثانية حيث وصلت النسبة إلى 319.7%، وكانت نسب الاقتراع بحسب الدوائر الصغرى وفق التالي (الضنية: 52.7%، المنية: 68.1%، وطرابلس: 52.1%).
دائرة جبل لبنان الأولى شهدت أيضاً ارتفاعاً نسبته 319.3%، وكانت نسبة الاقتراع في الدائرتين الصغريين (جبيل: 66.9% وكسروان: 63.7%).
ومن الدوائر التي تجاوزت النسب فيها الـ300%، دائرة جبل لبنان الرابعة حيث بلغت النسبة 311.9%، وكانت نسب الاقتراع في دائرتيها الصغريين (الشوف: 61.4% وعاليه: 56.9%).
النسبة الاقل كانت في دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا) حيث سجّلت النسبة 168%، وكانت نسبة الاقتراع في العام 2018 قد سجلت ما نسبته 41.5%
أرقام أخرى ذات دلالة يمكن التوقف عندها في دائرة الشمال الثالثة. فقد شهدت هذه الدائرة ارتفاعاً عاماً نسبته 232.8%، تتفاوت بين الدوائر الصغرى.
لكن ما يمكن التوقف عنده أن نسبة الاقتراع في معظم الدوائر الصغرى هنا تجاوزت الستين في المائة (البترون: 69.3%، وزغرتا: 65.1%، والكورة: 62.5%، أما بشري فكانت نسبة اقتراع الناخبين المغتربين فيها 42.2%).
حجم التأثير الأكبر
إستفاد فغالي من نتائج استحقاق العام 2018، ليجري مقارنة بين آخر الرابحين وأقوى الخاسرين في كلّ دائرة (الجدول رقم 2)، مع تحديد العتبة (الحاصل الانتخابي) ليحاول معرفة إمكانية تأثير الناخبين غير المقيمين في تغيير النتائج، وقد اعتمد فغالي في حساباته على اقتراع 60% من الناخبين فقط، وهي النسبة العامة تقريباً التي سجّلت في الاستحقاق الماضي.
استناداً إلى نتائج العام 2018، وبعد إحصاء فرق الأصوات بين الرابح الأخير والخاسر الأول، ومع احتساب الحاصل الانتخابي في كلّ دائرة، ومع نسبة تصويت 60% يمكن استنتاج أربع مراتب من التأثير، ونبدأ بالتأثير الذي يحقق الحصول على مقعدين إلى ثلاثة مقاعد:
في دائرة الشمال الثالثة، يمكن أن يحقق عدد غير المقيمين المتوقع مشاركتهم تصويتاً يفوق العتبة وقد يحقق ما يوازي مقعدين.
في بيروت الأولى، سيفوق عدد غير المقيمين المتوقع مشاركتهم العتبة وقد يحقق ما يوازي مقعدين، وقد ترتفع إلى ثلاثة مقاعد.
في دائرة جبل لبنان الرابعة، سيفوق عدد غير المقيمين المتوقع مشاركتهم العتبة وقد يحقق ما يوازي مقعدين.
التأثير الطفيف
لا يمكن الحسم، بحسب فغالي في بقية الدوائر، لكنه يحتمل أن يحدث اقتراع غير المقيمين تأثيراً في الدوائر التالية: بيروت الثانية، جبل لبنان الأولى (جبيل وكسروان)، جبل لبنان الثانية (المتن)، جبل لبنان الثالثة (بعبدا) والشمال الثالثة (الضنية، المنية وطرابلس).
تأثير أقلّ يمكن أن تشهده دوائر البقاع الأولى (زحلة)، البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيا)، الجنوب الأولى (جزين)، الجنوب الثالثة (النبطية وبنت جبيل) والجنوب الثانية (الزهراني وصور).
أما الدوائر التي سيطغى فيها تأثير المقيمين فهي البقاع الثالثة (بعلبك والهرمل) والشمال الأولى (عكار). يبقى من الضروري التذكير أن هذه المحاكاة لنتائج استحقاق 2018 قائمة على اعتبار أن نسبة التصويت لن تتجاوز الـ60%، أما في حال فتحت المراكز في مختلف المدن التي يتواجد فيها المغتربون فسترتفع حكماً نسب التأثير.