يوضح الكاتب والناقد والروائي النمساوي ستيفان زفايغ في كتابه المدهش “عنف الديكتاتورية”، خطر وصول الديكتاتورية إلى السلطة. ويحلّل الأساليب التي يلجأ إليها الطغاة للقبض على الدولة بكافة تفاصيلها، ثم إحكام السيطرة عليها، وكَمّ الأفواه وصولاً إلى قتل أصحاب الآراء المخالفة. فالديكتاتورية لا تطيق المعارضة ولا تُحبّذ سوى هتافات التأييد.
كتاب لجأ فيه زفايغ إلى التاريخ، مستعيداً إرهاب جان كالفن (لاهوتي فرنسي من زعماء حركة الإصلاح البروتستانتي) ضدّ كل من تجرّأ وعارضه، لا سيما سباستيان كاستيليو (لاهوتي فرنسي) صاحب الضمير الحَي والنَفس الحرّة الذي أبى الرضوخ للإرهاب الفكري، ليكتشف القارئ أنّ الديكتاتورية هي واحدة في الطغيان، سواء في الماضي أو الحاضر، وأنّ أشدّ أنواع الديكتاتوريات عنفاً هي التي جاءت مبشّرة بغدٍ أفضل!
في يوم الأحد، الموافق 8 كانون الأول 2024، أوردت القناة الروسية الأولى، نقلاً عن الكرملين، أنَّ الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد قد وصل مع عائلته إلى موسكو.
وأعلن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، أنّ الرئيس فلاديمير بوتين قرّر منح الأسد وعائلته حقّ اللجوء في روسيا “لدواعٍ إنسانية”. ومع ذلك، يبدو أنّ هذا القرار يستند إلى اعتبارات سياسية بحتة، ولا ينسجم مع المعايير القانونية الدولية.
بشار الأسد ارتكب جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب بحقِّ الشعب السوري، وبحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فهو متهم في قتل ما لا يقلّ عن 202 ألف مدني سوري، بينهم 15 ألفاً قتلهم تحت التعذيب، وإخفاء 96 ألفاً آخرين، وتشريد قسري لقرابة 13 مليون مواطن سوري، وغير ذلك من انتهاكات فظيعة، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية.
نعم، الأسلحة الكيميائية… كما ذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان: بشار الأسد متهم بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ولا يَحق له طلب اللجوء، وموسكو انتهكت القانون الدولي بمنح الأسد “حق اللجوء السياسي”.
واعتبر رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، الثلاثاء 9 كانون الأول 2024، أنّ منح موسكو حق اللجوء لبشار الأسد، يُعدّ انتهاكاً للقانون الدولي والاتفاقيات التي وقّعت عليها روسيا.
وأشار خلال مقابلة مع برنامج “الحرّة الليلة” على قناة “الحرة” إلى أنّ “إتفاقية اللجوء واضحة في نصها، إذ لا يمكن لأي شخص الاحتفاظ بوضع اللاجئ إذا أرتكب جريمة حرب أو جريمة ضدّ الإنسانية”.
وأضاف رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان خلال مقابلته مع “الحرة”، أنّ “الأسد ارتكب عشرات الجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب، وهو متهم بها من قِبل الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية ومنظمات حقوقية أخرى”.
ويرى الحقوقي السوري، أنّ مهام الحكومة الانتقالية السورية المقبلة، تشمل المصادقة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية ومطالبة روسيا بتسليم الأسد. وأضاف: “هناك وثائق تدينه، لأنّه كان القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهذا الجيش ارتكب العديد من الانتهاكات”.
يوم الأحد، حدّد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، مجموعة أسماء “يجب أن تخضع إلى المحاكمة”، أبرزها اسم رئيس النظام السوري المخلوع بشار الأسد.
لقد تعوّدنا وعوّدوننا في بلادنا أن نخاف دائماً ونحذر للأسف من التفاؤل والتحوّلات والتغييرات. عوّدوننا أن نخاف من التطوّر والتطوير والتطوّرات والسَير إلى الأمام وآسفاه. تعوّدنا وعوّدوننا أن نخاف من كل شيء وكل شيء عصري حديث. نخاف من بناء دولة مواطنة عصرية، دستور حداثي، عقد اجتماعي، كلمة سيادة، وطن، الآخر، وأنفسنا… وأكثر ما يُخيف في هذه الأيام أن يُعيّن حاكم عسكري في سوريا على شكل وشاكلة ومضمون “بول بريمر”.
نعم، لويس بول بريمر الثالث، الديبلوماسي الأميركي والحاكم الإداري الذي عُيِّن للعراق في ذلك الوقت باعتباره رئيس سلطة التحالف الموقتة (CPA) للفترة من منتصف شهر أيار 2003 وحتى حزيران 2004، وذلك بعد غزو الولايات المتحدة الأميركية للعراق.
في البداية عيّنه الرئيس الأميركي جورج بوش رئيساً للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق في 6 أيار 2003 خلفاً للجنرال المتقاعد جاي غارنر مدير مكتب إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية. والخاضع في تلك الحقبة إلى سلطة وتوجيه سيئ الذكر والتذكر وزير الدفاع الأميركي في تلك الحقبة دونالد رامسفيلد، منذ أن عيّنته الإدارة الأميركية. الذي حوّل المكتب في حزيران إلى سلطة التحالف الموقتة، وأصبح بريمر رئيس السلطة التنفيذية الرئيسية للبلاد أو الحاكم العسكري.
وأصدر بريمر خلال تلك الفترة المفصلية في تاريخنا قرارات وقوانين عدة مثيرة للجدل، أدّت إلى سلسلة تحوّلات مصيرية وكارثية تركت آثارها على العراق ومستقبله وعلى المنطقة كلها من دون استثناء.
وأخطر تلك القرارات أو التحوّلات (حَلّ وتسريح الجيش العراقي واستبداله بالميليشيات المسلحة والفصائل الطائفية التي تقاسمها الأميركي والإيراني ودفعنا نحن العرب ثمنها).
ما يُخيف في هذه الأيام السورية بامتيازات شرق أوسطية، تلك الأحداث التي أخافتنا في تلك الأيام، على رغم من التحوّلات التاريخية المختلفة بالشكل والمضمون العالمي عموماً والشرق أوسطي خصوصاً، والمسارات التاريخية بكل ما يحمله من تغييرات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتكنولوجية، قلبت موازين وثقافة العالم رأساً على عقب.
إنّ العراق كان شرق أوسطياً بداية التحوّلات نحو خرائط الشرق الأوسط الجديد جيوسياسياً وديمغرافياً وحدودياً خصوصاً. وما يجري الآن في سوريا وقبلها لبنان وغزة، ليس سوى الفصول ما قبل الأخيرة في ولادة الشرق الأوسط (الأبيض أو الأسود) الجديد وخصوصاً بعد رفع الخرائط وخطوطها الحمراء والسوداء.
نعم، الحمراء والسوداء على إيقاع قصيدة “الفاجومي” أحمد فؤاد نجم: “قيّدوا شمعة يا أحبة ونورولي، رمشتَين من رمش عَين وبيندهولي، من هنا سكة ملامة من هنا سكة ندامة، سكتَين يا للا السلامة أمشي فين يا ناس قولولي. قيّدوا شمعة ونوّرولي”… وللكلام دائماً بقية.
على رغم من أنّ رواية “مذكرات من البيت الميّت” لم تحظَ بشهرة أعمال دوستويفسكي الأخرى؛ فإنّها من أهم ما قُدّم في وصف السجون السيبيرية المتجمّدة، والنظام الدموي السائد فيها، ونزلائها، ووصفت وصفاً دقيقاً حياتهم وقسوة جلّاديهم. كانت قيمتها الأهم في التغييرات التي أحدثتها في نظام السجون في الإمبراطورية الروسية.
فبحسب الروايات المتعدّدة، كانت دموع “الإسكندر الثاني” قيصر روسيا تنهمر على صفحات هذا الكتاب وهو يطالعه بشغف شديد. وفي نيسان 1863 صدر قانون بإلغاء العقوبات الجسدية من السجون الروسية، خصوصاً تلك التي كانت تشهدها معسكرات الاعتقال في مدينة سيبيريا، ليصبح دوستويفسكي هو السجين الذي تمكن من تغيير قوانين السجن وفَكّ أسر سجناء سيبيريا من العقوبات الجسدية التي كانت سمة مميّزة آنذاك.
في حين، 52 عاماً من حُكم “الأسدَين” لم تغيّر قانوناً واحداً ولم تدمع حتى عين واحدة من عيون الأسد الأب أو عيون الأسد الإبن!