IMLebanon

ديكتاتورية تجدد نفسها «ديموقراطياً»

 

لم يكن فوز أردوغان بالرئاسة مفاجئاً، فالرجل مهد لهذا الفوز منذ سنوات، خصوصاً بعد انقلاب 2016 عندما أعلن حالة الطوارئ وزج عشرات الآلاف في السجون، ولم يترك مؤسسة رسمية أو خاصة إلا أعاد تنظيمها وأسند مسؤوليتها إلى محازبيه وأنصاره، بدءاً من المؤسسة العسكرية وليس انتهاءً بالجامعات والصحافة وكل وسائل الإعلام. وقد توجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع وسط حالة من الخوف لم يعرفوها حتى عندما كان «حامي العلمانية» يمارس أشد أنواع القمع.

 

 

عدا عن سياسة القمع والترهيب، دعم أردوغان، طوال سنوات حكمه، التوجهات الدينية في مجتمع متدين في طبيعته، على رغم التجربة العلمانية التي فرضت عليه بالقوة منذ عشرينات القرن الماضي. وزاوج الأيديولوجيا السياسية الإسلامية والتشدد القومي، فأرضى الإسلاميين والقوميين الذين تحالفوا معه في الانتخابات وحققوا نتائج لم يحققوها في تاريخهم الحزبي سابقاً، أي أن الفوز في الانتخابات الأخيرة كان للشوفينية الدينية – القومية التي اعتمدها في سياساته الداخلية والخارجية. لكن، بقدر ما تشكل هذه السياسة نقطة قوته بقدر ما تحمل نقاط ضعف كشفتها الانتخابات، وسيكون لها تأثيرها في الشهور والسنوات المقبلة، فالشوفينية القومية التركية تقابلها شوفينية قومية كردية لها تاريخها النضالي الطويل منذ ثمانينات القرن الماضي، ولديها جناحها السياسي الممثل في حزب الشعوب الديموقراطي الذي خاض زعيمه صلاح الدين دمرداش الانتخابات من السجن وفاز.

 

ولأن أردوغان تعهد خلال الانتخابات مواصلة حملته العسكرية على الأكراد في العراق وفي سورية، واستخدم هذه الحملة جزءاً من الدعاية لجذب القوميين الأتراك إلى صفه، فإنه سيواجه تصعيداً كردياً غير مسبوق، وسيكرس حكمه لهذه المواجهة، بعيداً من المؤسسات التي يفترض بأن مهمتها مراقبة أدائه وأداء السلطة التنفيذية التي أصبحت، في معظمها، في يده. وقد أعد العدة لهذه المواجهة، فألغى رئاسة الوزراء، كما ألغى وزارات ودمج أخرى. ولن يكتفي بذلك بل سيحصر كل الأمور التنفيذية في إدارته. وسيشكل تسع هيئات خاضعة لرئاسة الجمهورية، مهمتها التخطيط للتعليم والصحة والاقتصاد، ووضع استراتيجيات كبرى تتعلق بالسياسة الخارجية. ولن يقتصر دور هذه الهيئات على التخطيط، بل ستشرف على تنفيذ ما تخططه. فضلاً عن ذلك، سينشئ ثلاثة مكاتب مرتبطة به مباشرة، مهمتها الإشراف على سياساته المالية، ودعم الموارد البشرية، وتحسين استخدام التكنولوجيا.

 

ماذا عن سياسة أردوغان الخارجية؟ ماذا عن تحالفاته في المنطقة وخارجها؟ وعن علاقاتها بالاتحاد الأوروبي؟ وعن عضوية تركيا في الحلف الأطلسي؟

 

الأجوبة عن هذه الأسئلة، ومعــظم التحـــليلات تؤكد أن أردوغان القديم سيبقى كما هو، وما تغير سيعطيه سلطة أكبر لتنفيذ سيـــاساته الــسابقة، من دون محاسبة أو مراقبة.

 

كان زعيم المعارضة محرَم إنجه على حق عندما قال، بعد الانتخابات، إن «الحكم الجديد يشكل خطراً كبيراً على تركيا فقد تبنينا نظام حكم الفرد».

 

الديكتاتورية تجدد نفسها «ديموقراطياً».