فاجأني اتصال غاضب من أحد سياسيينا الحكماء، فالهدوء سِمتُه الطاغية، والاعتدال “وظيفته” في الحياة، ولا يتصل إلا لماماً لإبداء رأي ناقد ودقيق في عنوان أو مقالة او جملة، أو حتى مفردة أصابت أو لم تنزل مكانها طبقاً لقاعدة “لكل مقام مقال”.
وإذ ان السياسي المعروف بديبلوماسيته وحنكته والوسطية التي يعتبرها فلسفة الحياة والكيان، بدا خارجاً عن طوره مستعيذاً بالله، أبلغني أنه لو اعتاد الشتائم أو جرى على لسانه السباب، لما تردّد في وصف المنظومة الحاكمة وكل الذين يتعاطون تأليف الحكومة بأقذع الألفاظ التي تبدأ بـ”ويحك… تباً لك” لبعضهم ولا تنتهي بـ “أبناء…” لكثيرهم.
هدَّأتُ رَوعَه مذكِّراً إياه بأن المعجم العربي زاخرٌ بمروحة تعابير تليق بهؤلاء بدءاً من جاهلية “ثكلتكَ أمُّك… اللات” وانتهاء بحداثة “الهيلا هو”، ولن نتردّد باستخدامها شرط أن تفعل فعلاً لا أن تبقى كضربة السيف في الماء.
ولما استكان قال: “يا صديقي، مرَّت عليَّ عقود طويلة في الشأن العام عاصرتُ خلالها رؤساء وسياسيين من كل الأنواع، في ظروف الرخاء والاستقرار كما في أزمنة القلة وانعدام الأمان. لا أبرّئ أحداً منهم من المسؤوليات ولست أديباً رومانسياً لأُجمِّل الماضي وصورة الأموات، لكنني أشهد أمام الله والتاريخ أنهم فعلوا قدر ما يستطيعون وفق الظروف التي أحاطت بهم وعلى مقدار فهمهم… ويصدُق فيهم أن “الله لا يُكلف نفساً إلا وسعَها”. غير أن هؤلاء الذين تولوا قيادة الدولة ومصير البلاد في السنوات الأخيرة تجاوزوا كل التوقعات. الورثة منهم لم يحتفظوا بخصال حميدة ورثوها عن الأسلاف، ومُحدَثو النعمة لم يكتسبوا شيئاً منها على الإطلاق. لقد أعمتهم السلطة وأفسدهم المال، فما سمعوا لا بوصايا عشر ولا بالحلال والحرام ولا تناهى الى مسامعهم النهي عن عبادة ربَّين، لا بل أكاد أقول إن ربهم الوحيد هو الجشع والتحكم برقاب العباد.
“استميحُك ألّا تقاطعني. آلمني كثيراً في الأيام الأخيرة تأخير الحكومة لأسباب رخيصة وعقد متنوعة وخصوصاً ربط التشكيل بنتائج الانتخابات الأميركية. غداً أو بعده أو خلال أسابيع، لا فرق، ستظهر النتيجة، وكائناً مَن كان الفائز سنكتشف صِغر عقولنا وضخامة أوهامنا وقلة مسؤوليتنا تجاه مواطنينا المنتظرين تحت خط الفقر، فيما نُبدّد المبادرة الفرنسية ونتلذّذ بضبط ساعتنا على توقيت طهران وبتسجيل النقاط بين سعد وجبران.
“يرضى القتيلُ… آلمني أن المواطن قبِل بأن يعاود الذين أوصلوه الى الخراب محاولة الإنقاذ، لكن هؤلاء برهنوا أنهم “ذيلٌ أعوج”. فها هم يتنازعون الحصص ويتمسّكون بالحضور في الوزارات عبر أزلامهم ربما لتغطية الارتكابات وإخفاء الملفات. ولا أسمح لنفسي بالقول إنهم سيتواطأون لطمس جريمة “نيترات الأمونيوم”، لكن المكتوب يُقرأ من العنوان.
“لن أطيل عليك. البلد في كارثة فيما اللاعبون لا يكترثون لمآسي الناس. هي ليست سياسة بل قلة أخلاق في الأساس. وكل معاجم الأرض وشتائمها لن تكفيك لوصف هؤلاء…”.