لم يعد مجدًيا انتظار أي فضيلة من الأمين العام لحزب الله في لبنان حسن نصر الله. ما يتفاداه في خطاباته العلنية يقوله في اللقاءات الخاصة التي توّزع محاضرها على الأذرع الإعلامية للحزب.. يقوله بصدق وبحدة من دون المجاملات التي يمليها عليه المنبر.
لم يعد مجدًيا الرهان على تصريح تسووي هنا٬ أو انحناءة خطابية هناك٬ أو مواربة شفهية في نصه. نصه الحقيقي هو ما قرأناه قبل أيام. الأهم أن يكون رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري قرأ كلام شريكه في الثنائي الشيعي الحاكم للطائفة.
هل تمعنت يا دولة الرئيس في نص «إعلان الحرب» المتجدد على السعودية بحجج قديمة وذرائع واهية واتهامات لا يسندها الدليل بقدر ما تنهض بها طاقة الحقد على السعودية وعلى كل عربي يرفض الاستكبار الإيراني؟
اتهم نصر الله٬ خلال لقائه السنوي مع المبلّغين وقارئي العزاء٬ يوم الاثنين الماضي٬ السعودية بأنها «هي التي قتلتنا في حرب عام ٬«2006 و«المسؤولة عن كل القتل في المنطقة».
هل هي السعودية نفسها التي راهنَت عليها٬ في خطاب إحياء ذكرى اختفاء الإمام موسى الصدر قبل أقل من شهرين٬ لإطلاق «الحوار العربي وجواره٬ وإغلاق الملفات الدموية٬ وبناء محور (مصر السعودية إيران – سوريا)»؟ لك أسبابك في إدراج سوريا في هذا المحور٬ وأنت أبرز العارفين أن هذه الـ«سوريا» انتهت.
ولك فضيلة إبقاء شيعة حركة أمل خارج نارها ودمارها وجرائمها حتى حين حاول حزب الله إحراجك. ألم تسِّم أنت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حكومة المقاومة السياسية في «حرب» 2006؟ لماذا خذلت نصر الله بهذا التوصيف٬ في حين أن تصريحاته اليوم ينبغي أن تعني أن السنيورة أسهم٬ «كعميل سعودي»٬ في الذبح الذي رعته وترعاه الرياض؟ إما أنك تخونه؛ وإما أن ما يقوله اليوم هراء هراء!
هل هي السعودية نفسها التي يعبئ نصر الله أنصاف الأميين والجهلة ضدها باعتبار أن «الخطر الوجودي في المنطقة هو الخطر الوهابي»٬ وأن دورها «منذ تأسيسها هي وإسرائيل خدمة مصالح الأميركيين في المنطقة.. فهي التي مّولت الحروب منذ حرب صدام على إيران٬ ومن ثم في أفغانستان وباكستان والعراق..
والمخابرات السعودية أدارت المجموعات التكفيرية في العراق منذ عام 2003»؟!
هدئ من روعه يا دولة الرئيس. من المفيد تذكيره بأن إيران كانت رأس حربة في حرب جورج بوش على كل من أفغانستان والعراق٬ وباعتراف عدد من المسؤولين الإيرانيين من فريق الرئيس محمد خاتمي٬ وأنها تحولت بعد سقوط طالبان إلى أكبر مأوى لـ«القاعديين» الذين ليس أقلهم صهر بن لادن نفسه٬ فيما أفرجت مؤخًرا
عن عدد من كبار قياديي «القاعدة» ليعيدوا بناء التنظيم الإرهابي على الحدود بين أفغانستان وباكستان٬ وأبرزهم المصري سيف العدل المتورط في الاعتداءين على السفارتين الأميركيتين في شرق أفريقيا في ٬1998 والكويتي سليمان أبو غيث٬ الناطق السابق باسم «القاعدة» عند وقوع جريمة 11 سبتمبر (أيلول) ٬2001 وأبو الخير المصري القريب من زعيم التنظيم الحالي أيمن الظواهري٬ وثلاثة من أفراد عائلة زعيم «القاعدة» السابق أسامة بن لادن. ومن المفيد أن تحضه٬ يا دولة الرئيس٬ في المرة المقبلة التي يلتقي فيها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي٬ على سؤاله لماذا طالب ذات يوم بمحكمة دولية تحاسب نظام بشار الأسد عن
جرائم التفجيرات القاعدية في بغداد. ليس حضه من باب العلم٬ بل من باب رد الأذى عن شيعة لبنانيين عرب يغامر٬ عبر غضبه٬ بمستقبلهم ومعيشتهم وشروط الاستقرار في مهاجرهم التي دفعهم إليها حين لم يبِق لهم بلًدا أو وطًنا أو اقتصاًدا!! يكفي أن تراجع عدد الذين عادوا إلى لبنان بين عامي 1992 و٬2005 ومن غادروه بعد حرب «لو كنت أعلم» عام ٬2006 ليظهر لك ذلك.
حبذا لو تذكره بأن ما ذبحنا هو غروره وزهوه وعنجهيته التي تدفعه للظن٬ بحسب ما نقلت وثائق «ويكيليكس» عن وزير من وزرائك٬ بأنه «أكبر من صلاح الدين٬ وأكبر مّنا كلّنا».
علّك يا دولة الرئيس تقرأ نصه بتمعن لتحّدث الشيعة اللبنانيين أن حملة نصر الله على السعودية في موضوع حادثة الحج جزء من حملة إيران عليها٬ وأن ما اتهم به السعودية من «سلوك داعشي» وتعمد القتل عبر إغلاق «أحد المسارب مع العلم بأن الحجاج من جنسية معينة يسلكون هذا الطريق!»٬ خالفه مسؤولون إيرانيون من الشيخ رفسنجاني إلى وزير الصحة الإيراني!! لا تفعل ذلك حرًصا على سمعة السعودية٬ فهي لا تحتاج إلى ذلك٬ بل دفاًعا عن مصالح شيعة يدفعهم نصر الله إلى الجنون والحقد الأعمى.
أتوجه إليك٬ مدرًكا كّم الماء في فمك.. لكن المساحة الآخذة في الاتساع بين نصك العربي ونصه ما عاد مسموًحا أن تبقى تحت مظلة التمايز الحميد. أنت مسؤول ومطالب٬ باسم الحرص على الشيعة اللبنانيين٬ بأن يصير هذا التمايز شاهًدا على الحق والحقيقة٬ وترياًقا لسموم التحريض والتعمية والأحقاد. ما عادت مقبولة ولا كافية الاستعاضة عن الشجاعة الوطنية والسياسية بنصوص موسمية في الحذلقة والتمايز.
دولة الرئيس نبيه بري٬ الساكت عن الشيطان.. شيطان آخر!