يتكّل الشعب اللبناني على العهد الرئاسي الجديد الذي يقوده العماد ميشال عون ليلمس تغييراً ما في حياته المعيشية والإجتماعية والمالية والإقتصادية، ولهذا يتمنّى أن ينطلق هذا العهد مع الحكومة الأولى له، وليس كما يُقال بأنّه لن ينطلق فعلياً قبل ثمانية أشهر، أي بعد وضع القانون الجديد للإنتخابات في الفترة القادمة، ومن ثمّ إجراء العملية في حزيران المقبل.
فصحيح أنّ الإنتخابات النيابية تُشكّل أولوية بالنسبة للبنان حالياً، على ما تقول أوساط ديبلوماسية مطّلعة، غير أنّ الشعب يئنّ أيضاً من الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه ويريد أن تبدأ الحكومة بحلّ مشاكله العالقة منذ سنوات الواحدة تلو الأخرى. ولهذا فهو يتطلّع الى ألا تكون الحكومة الأولى للعهد شبيهة بحكومة تصريف الأعمال الحالية التي لا تتخذ حالياً القرارات المهمّة التي تجعل الشعب يلمس التغيير المنشود.
قد يقول البعض إنّ الشعب الذي انتظر لسنوات طويلة يُمكنه اليوم أن يصبر بضعة أشهر بعد، غير أنّ الأمر سيبدو بمثابة الدهر بالنسبة اليه، على ما أضافت الأوساط، خصوصاً بعد أن وصلت لقمة التغيير الى فمه. ولهذا قد يصبح اليوم أكثر إلحاحاً ومطالبة بتسريع الأمور وعدم التلكؤ أو إضاعة الوقت مجدّداً، على ما حصل خلال السنتين والخمسة أشهر التي سبقت الإنتخاب، لينتهي الشغور الرئاسي بانتخاب المرشّح الأول للرئاسة العماد ميشال عون.
وتعود الأوساط ذاتها بالذاكرة الى 26 سنة خلت، موضحة بأنّه لم لو تتلاقى الدول يومها على إزاحة العماد عون عن قصر بعبدا، وإبعاده الى فرنسا لمدة 15 عاماً، ومن ثمّ على سجن رئيس «القوّات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع لأكثر من 11 عاماً، بل توافقت على انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية، لكانت وفّرت على الشعب اللبناني كلّ سنوات الإنتظار هذه. ولكان بقي الجنرال في قصر بعبدا في عزّ حياته ونشاطه ومشاريعه التغييرية، غير أنّ هذه الدول لم تكن تريد أن ترى لبنان واقفاً على رجليه، وبلداً قوياً يتكل على نفسه وعلى شعبه، على ما كان يُردّد العماد عون.
أمّا ما حصل أخيراً في دول المنطقة والجوار من ثورات شعبية وحروب وفوضى بهدف قلب الأنظمة وتغييرها، ورسم خارطة جديدة للشرق الأوسط باءت معالمها بالفشل، جعل دول الخارج تقتنع بأنّه ما من جدوى لحلّ أزمة الإستحقاق الرئاسي في لبنان إلا بانتخاب العماد عون رئيساً تؤكد الاوساط، فشعبيته لا تزال هي نفسها التي كان يتمتّع بها منذ عقود، يُضاف اليها تحالفه مع «حزب الله» من جهة، و«القوّات اللبنانية» و«تيّار المستقبل» من جهة أخرى، الأمر الذي شجّع دول الخارج على دعم وتشجيع انتخابه في هذا الوقت بالذات.
رغم ذلك تبقى تساؤلات كثيرة تُطرح حول إذا ما كانت دول الخارج تريد فعلاً رؤية لبنان جديد منتفض وسط دول مجاورة لا تزال تغلي ولا تجد لها حلولاً سلمية سريعة لأزماتها. لكنها تؤكّد في الوقت نفسه، بأنّه لو لم ترد ذلك لما وافقت على انتخاب العماد عون لا سيما بعدما يئست من عدم قدرتها على حلّ أي أزمة في دول المنطقة من ليبيا الى العراق فاليمن وسوريا، وذلك رغم كلّ الجهود التي تبذلها من أجل هذه الغاية، ورغم كلّ المفاوضات التي تقوم بها لإعادة السلام الى دول المنطقة.
علماً أنّ حلّ الأزمة السورية، على ما عقّبت الأوساط، من شأنه أن يُزيل عبئاً كبيراً يقع على كاهل الدولة اللبنانية بفعل استقبالها الإنساني للنازحين السوريين على أرضها. وليس في هذا الأمر أي تعصّب أو أي شكل من أشكال العنصرية، على ما يصرّح البعض، لا سيما إذا ما طرحت الحكومة الجديدة بإلحاح أمر عودة جميع النازحين السوريين الى بلادهم، وهذا ما سوف تطرحه في بيانها الوزاري، انطلاقاً من حقّ السوريين في العيش على أرضهم بسلامة وبكرامة أولاً، ومن ثمّ وقف العناء الذي تتكبّده كلّ الدول المضيفة لهم بما فيها لبنان.
ولعلّ أكثر ما يحتاجه الشعب اللبناني حالياً، على ما أوضحت الأوساط، هو أن تصبح المدارس الخاصة في هذا البلد شبه مجانية، على ما يحصل في دول العالم المتطوّر، على سبيل المثال، لكي لا يدفع المواطن بالتالي ما هو فوق طاقته من أقساط مدرسية ليعلّم أولاده، أو يبيع ما ورث عن والديه من أراضٍ ليُكمل تعليمهم في الجامعات. فتسجيل الأبناء في المدارس أو الجامعات الرسمية لا يُقبل عليه جميع المواطنين اللبنانيين، لا سيما في هذه المرحلة بالذات لاعتبارات مختلفة. ولا يُمكن بالتالي للدولة إجبارهم على أن يخطوا مثل هذه الخطوة وإن كان التعليم فيها ممتاز جدّاً.
كذلك يتطلّع هذا الشعب الى أن يحصل على الطبابة والإستشفاء بشكل مجاني، على غرار ما يحصل في الخارج، لكي يضمن كلّ مواطن حقّه في العيش بصحّة وسلامة وكرامة، لا أن يتسكّع على أبواب بعض المستشفيات التي ترفض استقباله لسبب أو لآخر، خوفاً من عدم تسديده لفاتورتها التي غالباً ما تكون باهظة الثمن.
ولائحة المطالب الشعبية تطول وتطول، ولعلّ أوّلها في الفترة الراهنة هو أن تخلّصه الحكومة الجديدة أولاً من النفايات المنتشرة في الشوارع وعلى الطرقات، وتُنقذه من الأمراض والأوبئة التي تنتج عنها بشكل تدريجي، ومن ثمّ تقوم بتحصيل حقوقه فيما بعد من خلال ما ستتخذه من قرارات مهمّة تعود عليه وعلى مصلحته بالخير من توفير فرص العمل للشباب ورفع الحد الأدنى للأجور وحلّ مشكلة الإيجارات السكنية وما الى ذلك. الأمر الذي يُشجّعه على البقاء في هذا البلد والتشبّث به، والإستغناء عن الهجرة وتحقيق الأحلام في الخارج.
كذلك عندما يبدأ اللبناني المنتشر برؤية أحلام المقيم اللبناني تتحقّق شيئاً فشيئاً، فهو لن يتردّد في العودة الى لبنان والقيام بمشاريع إستثمارية فيه تعود بالنفع عليه وعلى بلده، ولن يُفكّر بالهجرة بعد اليوم، ما دامت الدولة تؤمّن له ما كان ينعم في دول الإنتشار. ويبقى هذا حلماً، بحسب رأي الأوساط، غير أن تحقّقه قد يكون قريباً مع انطلاقة عهد التغيير والقانون، شرط عدم التأخير في تشكيل حكومة العهد الأولى، وإن لن تكون بداية الإنطلاقة على ما تشير المعلومات.