Site icon IMLebanon

هل تجاوز الصراع تفعيل النأي بالنفس؟

حديث الرئيس سعد الحريري التلفزيوني، بصرف النظر عن ظروفه، يعيد تسليط الأضواء على أساس المشكلة: أزمة الاستقالة مرتبطة بأزمة الخلل في التسوية السياسية المرتبطة بأزمة الصراع الاقليمي. والمجال المتاح لفك الارتباط، ولو مرحليا، هو أن تعمل القوى المحليّة بقوة المصلحة الوطنية وحتى المصالح الفئوية على تصحيح الخلل في التسوية السياسية. فما كشفته أزمة الاستقالة هو حاجة الجميع الى الرئيس الحريري للحؤول دون انكشاف الشرعية اللبنانية أمام الشرعية العربية والشرعية الدولية ودون اهتزاز المظلّة المرفوعة فوق لبنان ورؤوس كل القوى فيه. وما أكدته التجربة هو أن كل طرف قوي في الداخل أو في الاقليم يستطيع تعطيل التسوية في لبنان، لكنه لا يستطيع توظيف الخلل في التوازن السياسي للامساك الكامل بالبلد وتغييره.

ومن الطبيعي ان يركّز كثيرون على المخرج الذي طرحه الحريري لحلّ أزمة الاستقالة، وهو العودة الى النأي بالنفس. فالرجل يعد بالعودة قريبا الى بيروت لاجراء حوار مع الرئيس ميشال عون وآخرين حول استكمال التسوية، كما لتقديم الاستقالة بالصورة الدستورية. لكن النأي بالنفس عن صراع المحاور الاقليمية وخصوصا عن حرب سوريا، ليس مجرد شعار أو تعبير في بيان وزاري. فهو مسار عملي يتطلب اتخاذ قرارات مهمة وصعبة على بعض القوى. وهو امتحان يومي لنا في تغليب الحكمة على الاندفاع وتقديم الرابط الوطني بين اللبنانيين على أي ارتباط خارجي. والسؤال هو: هل نحن جاهزون لتقديم كل ما هو ضروري للخروج من الأزمة؟

الواقع ان لبنان أسير أجندات أكبر منه. فما ضمن الاستقرار الهش فيه منذ اندلاع الحروب في المنطقة، هو حاجة القوى الاقليمية المتحاربة الى خدمات يقدمها لبنان المستقر، وحاجة القوى الدولية الى مركز للمراقبة كما الى إبقاء النازحين السوريين فيه لإبعادهم عن أميركا وأوروبا. وما بدأ يهزّ المعادلة هو تجاوز الصراع في اليمن للخط الأحمر السعودي، واقتراب الحرب على داعش من النهاية في سوريا والعراق، وبدء السعي لتثبيت الأرباح، بحيث احتاج الصراع الى المسرح اللبناني.

 

وفي هذا الاطار، فان الصورة مخيفة، بصرف النظر عن سيناريوهات الحرب الكبيرة واللاحرب. فما يطلبه أهل الصراع من الحريري وفريقه ومن حزب الله وفريقه أكبر من قدرة لبنان على التحمّل. وما يتطلبه استكمال التسوية صعب على القوى المحلية، وان كان لا بد منه تجنّبا لتعميق البؤس الاقتصادي والسياسي. واللعبة تخطت في خطورتها كما في امكانات وقفها اخراج الأرانب من تحت القبّعات.