يسود غموض حول ما يُضمره تنظيم «داعش» من خططٍ للردّ على إخراجه من معاقله المكانية في كلّ من سوريا والعراق وحتى من جرود السلسلة الشرقية اللبنانية ـ السورية.
المصادر الأمنية المحلية، وأيضاً الغربية، ولا سيّما منها الأوروبية التي لدولها مشاركةٌ في قوات «اليونيفيل» العاملة في جنوب لبنان، تجتهد في هذه الفترة لرصدِ أيّ إشارات تصدر عن تنظيم «داعش» في مرحلة ما بعد تفكيك إماراته ومعاقِله الاساسية، وذلك كنوعٍ من الجهد الاستباقي لتحاشي نجاحه في تسديد ضربات انتقامية غير متوقَّعة.
وفي معلومات «الجمهورية» أنّ سياق هذا الرصد الاستباقي على الساحة اللبنانية، أظهَر حتى الآن المعطيات الأساسية الآتية:
ـ أوّلاً، في الآونة الأخيرة، وتحديداً بعد معركة «فجر الجرود»، وامتداداً بعد تعاظمِ تضاؤلِ مساحة انتشار تنظيم «داعش» في سوريا، وخسارته شِبه الكلّية لكلّ من الرقة ودير الزور، سَجّلت عمليات اعتراض الاتصالات الخلوية التي تنفّذها قوات «اليونيفيل» في لبنان، وجودَ كثافةٍ لافتة في الاتصالات الخلوية والمعتمدة على الإنترنت الصادرة من حيَّي التعمير والطورائ في مخيّم عين الحلوة، المعتبَرَين من المعاقل الأساسية للجماعات الإسلامية المتطرّفة، في اتّجاه مناطق مختلفة في لبنان وسوريا.
وثمّة استنتاج بأنّ كثافة هذه الاتصالات المنطلقة من هذين الحيَّين، إنّما تؤشر إلى وجود حيوية متزايدة في التواصل، قياساً على منسوب التواصل عبر الخلوي والإنترنت الذي كان موجوداً في السابق، والذي يتمّ في غالب الظنّ بين مجموعات تتمركز فيهما، وبين مجموعات أخرى إرهابية على صلة بها توجد في مناطق لبنانية وسوريّة.
ولكنّ التفسير الأخطر لهذه الظاهرة، يرجّح أمكانية أنّ تنظيم «داعش» بعد خروجه من معاقله الأساسية التي كانت توجد فيها غرف عملياته المركزية التي يحرّك منها كلَّ أذرعِ خلاياه المنتشرة في لبنان وسوريا، أنشَأ غرَف عمليات بديلة في مناطق آمنة له فيها وجود مستتر. وقد يكون أنشَأ واحدةً من غرف عملياته هذه في حيَّي «التعمير» و«الطوارئ» في مخيّم عين الحلوة، ما يفسّر كثافة الاتصالات التي بدأت تخرج منهما وتصل إليهما، في الفترة الأخيرة.
ولا يَستبعد أحد المسؤولين الأمنيين في مخيّم عين الحلوة هذه الإمكانية، ويكشف لـ»الجمهورية» أنّه سبقَ للجماعات التكفيرية خلال مرحلة ماجد الماجد أنْ أنشَأت غرفة عمليات مركزية للجماعات الإرهابية بإشرافه في مخيّم عين الحلوة، ولكنّ هذه الغرفة أُزيلت بعد وفاته قبل نحو أربع سنوات، وذلك إثر إدخاله إحدى مستشفيات بيروت لتلقّي العلاج بعدما أوقفته الأجهزة الأمنية اللبنانية. ومنذ ذلك الحين لم ترصد المعلومات المتابعة لحراك المجموعات التكفيرية داخل المخيّم أيَّ إشارات توحي بأنّه تمّ بناء غرفة عمليات مركزية أخرى.
ولكنْ أخيراً، عاد هذا الاحتمال للبروز مرّةً أخرى، وذلك بعد أن رصَدت جهات أمنية مختلفة وقيادة «اليونيفيل» في جنوب لبنان، حركة بثِّ اتّصالاتٍ خلوية وغير خلوية متعاظمة وكثيفة تَصدر من حيَّي «التعمير» و«الطوارئ» اللذين تتحصّن بهما المجموعات الإسلامية المتشدّدة، ما يُرجّح إمكانية أن يكون سبب ذلك هو إنشاء غرفة عمليات لـ«داعش» فيهما، خصوصاً أنّ هناك معلومات متقاطعة لدى أكثر من جهة أمنية تفيد أنّ تنظيم «داعش» بعد خسارته معقلَيه في الرقة ودير الزور، بدأ يبحث عن أماكن آمنة لإنشاء غرَف عمليات مستترة، ويَعتبِر مخيّم عين الحلوة منطقة آمنة حسب مفهومه، وخصوصاً حيَّي «التعمير» و«الطوارئ» اللذين يُعتبران مناطق صافية لمجموعات «الشباب المسلم» التي يتزعّمها الشيخ أسامة الشهابي.
ـ ثانياً، تلاحظ معلومات متقاطعة ومصدرُها أكثر من جهة أمنية أنّ تنظيم «داعش» في مرحلة ما بعد خروجه من معاقله، يتّجه إلى تزخيم وجود خلاياه النائمة في لبنان، وتكشف الدارسة التحليلية لهذه المعلومات عن المعطيات الأساسية الآتية:
أ ـ وجود «داعش» على الساحة اللبنانية في هذه المرحلة يتّسم بأنّ مهمّته المركزية تتركّز على الاستطلاع وجمعِ المعلومات.
ب ـ يُظهر تحليل المعلومات التي تخضع للدرس حول نسبة صدقية المصادر المستقاة منها، أنّ المعلومات الواردة، والتي يُرتّبها التصنيف الأمني على أنّها من الفئة التي تحظى بصدقية تفوق الـ 70 في المئة منها، تؤشّر إلى أنّ «داعش» تتّجه إلى استطلاع «بنك أهداف» لتنفيذ اغتيالات في لبنان خلال الفترة القريبة المقبلة. وتشتمل هذه الأهداف على شخصيات بارزة وليست من لونٍ واحد.
ـ ثالثاً، يؤشّر أحدثُ سياق معلوماتي حول نشاط «داعش» في لبنان في مرحلة ما بعد تفَكّكِ إماراته المكانية في سوريا، إلى وجود حراكٍ داخل البيئة الإسلامية المتشدّدة داخل عين الحلوة، وذلك على نحوٍ يؤكّد معلومات سابقة عن إمكانية أن يكون السعودي خالد العبيد قد ورثَ، من دون إعلان ذلك، مكانة ماجد الماجد كمسؤول عن أكثر الخلايا الإرهابية ذات الصلات الإقليمية الموجودة في المخيّم، وأنّ الشخص الذي يساعده في هذه المهمّة هو عابد المصري.
وتفيد هذه المعلومات أنّ العبيد والمصري بايَعا «داعش» منذ فترة طويلة، وأنّ نشاطهما في المخيّم يتعدّى خطورةَ أدوار شادي المولوي وبلال بدر وغيرهما، كونه نشاطاً على صلة بحركةِ إرهابِ «داعش» على مستوى أكثر من دولة في العالم.