نجا لبنان وسلمه الأهلي من حادثة الكحالة وتداعياتها بعدما نجح الجيش اللّبناني بوأد الفتنة ثمّ جاء الخطاب الاستيعابي والمسؤول الّذي ألقاه أمين عام حزب الله السّيّد حسن نصرالله في ذكرى نصر تمّوز 2006 ليقطع الطّريق نهائيًّا على الفتنة الدّاخليّة.
الحدث الأبرز تمثّل في وصول سفينة الحفر إلى البلوك رقم 9 حيث مكمن «قانا» المحتمل، خطوة كلّفت لبنان أكثر من عقدٍ من التّفاوض غير المباشر مع العدوّ عبر وسطاء أمريكيين وبرعاية الأمم المتّحدة، رسم فيها الرئيس نبيه برّي خطوط التّفاوض وفق المعاهدات الدّوليّة وتفاهم نيسان والقرار 1701 وعانى خلالها ضغوطًا هائلة للتّنازل والتّراجع إلى ما سمّي بخطّ «هوف» لكنّه تمسّك بحقوق لبنان وقال عبارته الشّهيرة: «لا أتنازل عن كوب ماء واحد من مياهنا» ثمّ استكملت المقاومة المهمّة وخاطرت بالحرب بعدما تدخّلت بالمسيّرات للضّغط على العدوّ ومنعه من استكمال العمل بحقل «كاريش» قبل توقيع التّفاهم البحري، وهكذا كان.
ومن شأن نتائج التّنقيب تحديد مستقبل لبنان وأجياله، فإذا ثبت وجود كمّيّات تجاريّة من النّفط والغاز يدخل لبنان نادي الدّول المنتجة للطّاقة ويصبح بحكم الثّروة الغازيّة بلدًا ذا قدرة على النّهوض الاقتصادي والتّطوّر السّياسي والاجتماعي إذا توافرت لدى المسؤولين النّيّات الصّادقة للخروج من الأزمات المتراكمة منذ تأسيس «لبنان الكبير» فالنفط وحده لا يكفي لقيام الدّولة، ولنا في الدّول المجاورة نماذج استثمار جيّدة نقلت البلاد وشعوبها إلى مصاف العالم الأوّل في التّنمية والتّطوير وأخرى سيئة ساهم النّفط في فتح بابا واسع من الهدر والفساد والسّرقات الموصوفة حتّى صنّفت إحدى الدّول العائمة على بحر من النّفط من أكثر الدّول فسادًا في العالم.
العبرة في الاستفادة من هذه الثّروة متى ثُبّتت، ولكن لا شيء في لبنان يدعو إلى التّفاؤل بحُسن الإدارة، فما زال بعض قادة البلاد يتربّصون على كوع هنا وزاروب هناك للتّصويب على ثروة القوّة الّتي تحمي لبنان وثرواتها الطّبيعيّة، ومن يفرّط بهذه لن يحافظ على تلك!
في السّياسة الدّاخليّة يطغى الحوار القائم بين حزب الله والتّيّار الوطنيّ الحرّ على المشهد الرّئاسي، وفي المعطيات فقد تسلّم الرّئيس نبيه برّي مسودّة الاقتراح الّذي تقدّم به النّائب جبران باسيل إلى حزب الله لدراسته وإبداء الرّأي فيه.
يدرك الحزب والتّيّار بأنّ ما يطرحه باسيل ليس جديدا وهو مطلب الجميع لكنّه يحتاج إلى توافق سياسيّ بعيداً من المزايدات الّتي قد تطيح به، وما دام المطلوب «باسيليًّا» من ضمن الطّائف فقد يمرّ بسهولة، لكن أيّ اقتراح يتجاوز الاتفاق سيحتاج توافقاً داخلياً ورضى إقليمياً، سعودياً تحديداً، وتعديلاً دستورياً.
وعلى مبدأ التّكامل بين الحركة والحزب تسلّم الرّئيس برّي ورقة باسيل، وفي المعلومات أيضاً فإنّ قيادة حركة أمل تقرأ بإيجابيّة عودة الحوار بين الحزب والتّيّار والرّئيس برّي سيكون مسهّلاً لأيّ اتّفاق يخرج البلد من الاستعصاء الرّئاسي.
فالرّئاسة مفتاح كلّ الحلول، ومن بعدها تبدأ كلّ مشاريع النّهوض والإنقاذ والسّيّد لودريان يحذّرنا من أنّ أيلول آخر الفرص، فهل يضع الثّنائي اللّمسات الأخيرة على التّفاهم مع التّيّار قبل عودة لودريان؟!
كان السّيّد حسن نصرالله واضحا في خطابه الأخير بأنّ الوقت ضيّق وإنّ كانت العناوين تحتاج وقتاً أطول، ولكن مجرّد التّفاهم على الخطوط العامّة يمنح الثّنائي وحلفاؤه ورقة قوّة تعزّز من حظوظ فرنجيّة، وسيكون لودريان سعيداً بعقد جلسة انتخاب بعدما تنتهي جولته الأيلوليّة ويحصل فيها فرنجيّة على أكثر من 65 صوتاً، في حال تمّ التّفاهم مع باسيل، قبل عودة لودريان وهذا ما هو متوقّع، وخرج من التّقاطع على جهاد أزعور، وفي حال طيّر حزب القوّات وحلفاؤه نصاب الجلسة الثّانية ومنعوا انتخاب فرنجيّة ستخسر المعارضة نقطة كبيرة أمام الرّأي العام اللّبناني وأمام حلفائها الإقليميين والدّوليين، وسيسجّل الثّنائي هدفاً حاسماً سيجعل وليد جنبلاط في حلّ من التزامه بعدم استفزاز المسيحيين كون إحدى الكتلتين الكبريين أيّدت فرنجيّة، وسيرتاح النوّاب السّنّة، بطبيعة الحال، في إعلان خيارهم الرّئاسي.
وفي السّياق تحدّثت معلومات عن لقاء جمع بين جبران وباسيل وسليمان فرنجيّة على مأدبة العشاء في إطار تفعيل مسار الحوار الرّئاسي بين الحزب والتّيّار وكانت أجواء اللّقاء إيجابيّة ومثمرة حسب المصدر.
إذا صحّت المعلومات عن هذا اللقاء فقد نكون أمام مفاجآت إيجابيّة ومؤثّرة في الأسابيع المقبلة.
وكان لافتاً بيان «المعارضة» الّذي صدر أمس الأربعاء وشكّل انقلاباً على تحرّك «لودريان» قبل عودته المحتملة في أيلول المقبل.
فهل استشعرت قوى المعارضة خطر اتّفاق الثّنائي مع باسيل على انتخاب فرنجيّة فعمدت إلى رفع السّقف السّياسي؟
في الفقرة الثّانية من البيان استخدمت القوات ومن معها عبارة «التّفاوض» بدل «الحوار» ولذلك المصطلح دلالات عدائيّة، وحصرته برئيس الجمهوريّة بعد انتخابه ومن عناوينه «حصريّة السّلاح» و«اللّامركزيّة الإداريّة والماليّة» الموسّعة.
هذا البيان يشي بالتّصعيد والانقلاب على مخرجات بيان الدّوحة الخماسي، فهل هناك «قبّة باط» خارجيّة أم أنّ المتلهّين بكوع «الكحالة» غائبون عن محيطهم الخارجي؟