تعكس “المبادرة” او مجموعة الافكار التي اطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال جلسة الحوار الوطني امس، ادراكا حقيقيا بأن البلاد ما عادت تحتمل طويلا التهرب المستمر من المواعيد الدستورية، من دون ان تنزلق نحو مزيد من الازمات المتعددة الوجه، والتي لا يمكن لاحد ان يضمن عدم بلوغها الشارع المحتقن. وتعكس مبادرة بري في طرح افكار جديدة مثل “تقصير ولاية المجلس الحالي” والذهاب الى الانتخابات التشريعية اما بقانون جديد او بالقانون الحالي، بلوغ مجمل القوى السياسية مرحلة من الاهتزاز في الشارع، وذلك بفعل تنامي الحراك المدني المستقل وتجرؤ الكثيرين على “تحدي” القوى الاساسية ومنازلتها في صناديق الاقتراع، تماما كما حصل ويحصل في الانتخابات البلدية التي تجري حاليا. هناك تغيير بدأ يتسلل بين “شقوق” القوى السياسية الكبرى. كل منها لاسبابه الخاصة والموضوعية. وما من شك ان الجميع بمن فيهم “حزب الله” بدأ يعاني من شيخوخة مبكرة على مستوى القوة الشعبية. لقد تعب الناس من الاحزاب، ومن هيمنتها على الحياة العامة والخاصة في البلاد، فضلا عن الفساد الذي ينخر الدولة في كل مكان. اكثر من ذلك تعب الناس من الحروب الاقليمية الجارية على ارض لبنان بالوكالة. و تعبوا من تآكل المؤسسات الذي بات ينذر بتصنيف لبنان دولة فاشلة او دولة في طور الفشل!
هل يمضي الرئيس بري في “مبادرته” او في مجموعة الافكار التي طرحها الى النهاية، ام انه يعرف اكثر من غيره ان المفاتيح التي بها يُفك اسر لبنان و مؤسساته موجودة في الخارج . ولذلك فإنه قلب ترتيب الاستحقاقات (انتخابات نيابية يعقبها انتخاب رئيس الجمهورية) وهو العارف ان تقصير ولاية مجلس النواب لتنتهي في شهر آب او ايلول المقبلين، معناه العلمي ان الانتخابات اذا جرت وفق ذلك، ستتم بحسب قانون الانتخاب الساري المفعول، اي قانون ١٩٦٠! و بذلك يبقى توازن القوى الحالي قائما مع انتخاب مجلس نواب جديد، من المستبعد ان يشهد تغييرا كبيرا في تركيبته.
لكن ما نتوقعه من بري كمراقبين، ان يعمل اكثر على صعيد فك اسر الرئاسة. فالتمديد لمجلس النواب الحالي لم يعد مطروحا بعد حصول الانتخابات البلدية بنجاح (حتى الان)، اما انتخاب الرئيس الجديد فما يزال مجمدا بفعل قرار معروف المصدر! فهل تسهم الضربات الموجعة التي يتلقاها “حزب الله” في سوريا، فضلا عن اشتداد الحصار المالي الذي يتعرض له دوليا وعربيا لدفعه الى تغيير موقفه المعطل لاستحقاق انتخاب الرئيس الجديد؟
المهم بالنسبة الى اللبنانيين، ان يعود لبنان إلى سكة المواعيد الدستورية، و ان تطوى صفحة التمديد هنا والتأجيل هناك نهائيا لكي تبدأ مسيرة صعود طويلة من هذا القعر الذي نعيش فيه منذ امد طويل!