فرضت الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري الى واشنطن إجراء قراءة متأنّية لكل ما رافقها من مواقف ومحطات غلبت عليها اللقاءات الموسّعة والمتخصّصة في شؤون الأمن والمال والإقتصاد، وهو ما دفع الى إجراء تقويم ديبلوماسي وسياسي لها في توقيتها وشكلها والمضمون بحثاً عن جدواها. وبناءً عليه، طرح السؤال: هل كانت هذه الزيارة في توقيتها الصحيح؟
عبرت الأيام الخمسة التي أمضاها الحريري متجوِّلاً بين مواقع القرار السياسية والمالية والعسكرية من دون أيّ ردة فعل في لبنان، حتى انّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي أطلّ ليعلن انتصاره على «جبهة النصرة» في تلال عرسال والقلمون، أرجأ تعليقه وردّه على مواقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى موعد آخر.
غير انّ المراقبين سجّلوا ملاحظات أوّلية حول الساعتين اللتين أمضاهما الحريري والوفد المرافق في البيت الأبيض، فرأوا أنه عومل معاملة رئيس دولة، اذ انّ الزيارة بدأت بعد تسجيل الحريري كلمة في «الكتاب الذهبي» للزوّار في الاجتماع الموسّع بين الوفدَين الرسميَّين، فالقمة الثنائية بينه وبين الرئيس الاميركي دونالد ترامب، وانتهت بعد الصورة التذكارية بمؤتمر صحافي مشترَك بعدما أمضيا نحو عشرين دقيقة في غرفة ملحقة بالمكتب البيضاوي لمشاهدة وقائع التصويت على سلسلة من القوانين التي أحالها ترامب الى الكونغرس الأميركي لإقرارها، ما اعتبره انتصاراً داخلياً لقوانينه وبرامجه الإجتماعية.
وفي التفاصيل، توقفت مراجع سياسية وديبلوماسية أمام شكل الزيارة وتوقيتها ومضمونها، في محاولة لتقويم نجاحها أو عدمه في تحقيق الأهداف التي رُسمت لها.
ففي التوقيت، تزامنت الزيارة مع انشغال الدوائر المختصة في الإدارة الأميركية بمشروع قانون العقوبات على روسيا وإيران دولياً وعلى «حزب الله» لبنانياً، في وقت كان اللبنانيون منشغلين بمتابعة وقائع العمليات العسكرية في تلال القلمون وعرسال، فجاءت لتطرح نفسها على جدول أعمال هذه اللقاءات وتحديداً عند البحث في مسلسل العقوبات على الحزب بوجود حاكم البنك المركزي رياض سلامة، فكان تقويمٌ للتطورات ركّز خلاله الجانب اللبناني على مخاطرها إن تجاوزت استهداف القنوات المالية غير الرسمية من خارج النظام المصرفي اللبناني والدولي، والتي يستخدمها الحزب في حركة أمواله، ما يشير الى أنها جاءت في وقتها وتحديداً عندما طرحت بالتفصيل مع وزير الخزانة الأميركية ستيفن مانوشين بحضور موفديه الى لبنان والشرق الأوسط من الفريق المكلّف بملاحقة هذه القضية، والذين جمعتهم علاقات عميقة مع سلامة والمسؤولين الماليين والمصرفيين في لبنان.
ونظراً الى انّ معلومات قليلة وردت من واشنطن عبر القنوات الإقتصادية والمالية، وأجواء تفاؤلية أوحى بها سلامة ومستشارو الحريري، فقد أصرّت المراجع الرسمية على ضرورة انتظار عودة الوفد الى بيروت للبحث في كثير من التفاصيل والإجراءات التي تمّ التفاهم حولها أو تلك التي استنتجها سلامة لحماية تفاهمات تحققت في اللقاءات وسدّ منافذ المخاطر الناجمة من التوجّهات الأميركية الجديدة المتشدّدة، التي يمكن أن تتسرّب أو تصطدم بالنظام المالي اللبناني، وقد تحدُث مخاطر غير مقدّرة الآن.
وفي شأن المساعدات المستمرّة للبنان لمواجهة كلفة النزوح السوري، فقد جاءت الهدية الأميركية المفاجِئة بـ 140 مليون دولار لتضيف الى ما
تبلّغه الحريري والوفد المرافق من استمرار المساعدات عبر الوكالات المتخصّصة بالإغاثة والنازحين من دون أيّ تعديل، وبقيت الأمور المتّصلة بالمساعدات الإقتصادية الأخرى موضعَ بحث في توقيت استحقاقاتها المقبلة كما بالنسبة الى برامج العودة تزامناً مع البحث في مناطق خفض التوتر في سوريا ما يسهّل عودتهم.
أما على المستوى العسكري، فقد اطمأنّ الحريري الى حجم المساعدات المستمرّة للجيش والمؤسسات الأمنية، والتي أكدها ترامب شخصياً عند إشادته بالجيش وبالدور اللبناني المتقدّم في مواجهة الإرهاب.
وفي المعلومات التي تسرّبت من الوفد اللبناني أنه تبلّغ بإبقاء المساعدات العسكرية على ما هي عليه، لأنّ التخفيض طاولَ المساعدات المباشرة للمجموعات السورية المعارضة في وقت طلب فيه ترامب زيادة الموازنة العسكرية وتحديداً المخصّصة لمواجهة الإرهاب في الداخل والعالم ولا سيما «النصرة» و«داعش» و«حزب الله»، حيث تنتشر القوات الأميركية وخبراؤها كما هي الحال في العراق وسوريا كما في لبنان.
والى هذه المعطيات، بَدا للوفد اللبناني بوضوح أنه ورغم كل الخلافات التي تعصف بالإدارة الأميركية، فإنها تُجمع على مواجهة إيران وجماعاتها في المنطقة والخليج والعالم وعلى ضرورة قطع الطريق الإيرانية من بغداد الى دمشق وبيروت عبر الخط السوري الجنوبي الذي أقفلته التفاهمات مع روسيا، وهو إجماع يتساوى مع استمرار الدعم للجيش اللبناني على كل المستويات. فلهذا الجيش نظرة مميّزة في الإدارة الأميركية ولن تتغيّر بسهولة، وإنّ كل ما يجري يقود الى زيادته وتعزيزه، وهو ما ستكشفه الأيام المقبلة.