لم تكن تطمينات رئيس الحكومة سعد الحريري العلنية في مجلس الوزراء حيال حدود دوره المفترض في القمة الاسلامية – الاميركية في الرياض، الاولى من نوعها، فقد سبقتها «رسائل» تطمين متعددة عبر قنوات التواصل المعتادة مع حزب الله… ووفقا للمعلومات فان الرئيس الحريري كان مهتما خلال الايام القليلة الماضية بمسالتين رئيسيتين الاولى حصر تداعيات الخطأ السعودي بعدم توجيه دعوى الى رئيس الجمهورية ميشال عون، والمسالة الثانية تتعلق بتبديد اي «هواجس لدى الحزب ازاء خلفية هذه المشاركة، وقد كانت هذه التطمينات جزءا اساسيا من حركة الحريري المكوكية بين بعبدا وعين التينة طوال الايام الماضية… لكن هل كان حزب الله قلقا وبحاجة الى تهدئة مخاوفه؟
اوساط سياسية بارزة تشير الى ان ما جرى في جلسة مجلس الوزراء بالامس كان مجرد تظهير لهذه المواقف البعيدة عن الاعلام، لكن قوى 8 آذار ارادت توثيق هذا الامر في جلسة رسمية كي لا تقع اي التباسات لاحقا بخصوص اي قرارات قد تصدر عن القمة لا يستطيع رئيس الحكومة بطبيعة الحال التحكم في مجرياتها، وجاءت المواقف استباقية كي لا تترك اي اثار سلبية في المستقبل… وفي هذا السياق تتحدث تلك الاوساط عن مسألة ابعد من محاكمة النيات، لان القاصي والداني يدرك ان الحريري لا يخفي اختلافاته العميقة مع حزب الله على الملفات الخارجية الاستراتيجية، وهو قال مؤخرا انها ستبقى الى «يوم الدين»، في عمق تفكيره و«سطحيتها» هو اقرب الى ما سيتم تداوله في القمة المفترضة ويؤيد كل تطلاعات الدول المشاركة، لكنه يصطدم بوقائع لا يستطيع ان يتجاوزها بسهولة وتتعلق من جهة بانعدام القدرة على الفعل بعد تراجع دور لبنان «الريادي» في دعم «الثورة» مع بداية الحرب على السورية، ومن جهة اخرى تراجع الدول الراعية للمعارضة السورية عن توظيف الساحة اللبنانية في هذه المعركة، ومن هنا اراد الحريري توزيع رسائل الاطمئنان على الجميع بعد ان اثيرت الكثير من علامات الاستفهام حول اصرار السعودية والولايات المتحدة على حضوره وتغييب الرئيس عون عن القمة، ليتضح لاحقا ان المسألة لا تتعلق بمحاولة تمرير قرارات لا يمكن ان توافق عليها الرئاسة الاولى، وانما يرتبط الامر «بفركة اذن» سياسية ردا على مواقف عون من سلاح المقاومة…
وفي هذا السياق تؤكد اوساط ديبلوماسية ان تلك الدول لا تزال تتعامل مع الساحة اللبنانية على اساس انها ساحة «لجوء»، تحتاج الى الاستقرار الامني ولا تريد الان للبنان اي وظيفة رئيسية في الصراع تدرك انها غير مفيدة بعد نجاح حزب الله في اقفال ملف الحدود مع سوريا، وبقاء «ثغرة» عرسال التي لا يمكن استغلالها لا عسكريا ولا استراتيجيا، فالمهمات الاساسية للضغط على الحزب اعيدت الى «الاصيل» بعد فشل «الوكلاء» في اتمام المهمة، واشنطن معنية في ممارسة العقوبات المالية، والسعودية تتولى مهمة محاصرة الحزب عربيا واسلاميا، وتبقى «العصا الغليظة» في يد اسرائيل المخولة اعطاء «جرعات تذكيرية» في سوريا دون تجاوز الحدود اللبنانية كي لا تقع المنطقة في دائرة الحسابات الخاطئة… اما في السياسة الداخلية فيقوم الحريري بمهمة محددة عنوانها انجاح العلاقة مع الرئاسة الاولى وذلك في سياق عملية بناء ثقة على المدى المتوسط في محاولة لاعطاء التيار المسيحي الذي شكل «غطاء» لحزب الله خيارات اخرى لسحبه تدريجيا من تفاهم «مار مخايل»، مع العلم ان الحريري تلقى ضربة موجعة لمساعيه بفعل سوء التقدير السعودي للموقف من اعمال القمة، ما اعاد الى ذهن «الجنرال» في بعبدا ذكريات اليمة حافلة بتخلي السعودية وحلفائها في لبنان عنه ما يجعله اكثر التصاقا بخياراته…
وازاء ما تقدم، لم يكن حزب الله قلقا ازاء ما ستحمله القمة من تداعيات مباشرة عليه، فالحرب القاسية في المنطقة تمتد على مساحات جغرافية واسعة ولا تحتاج الى مؤتمر علني لتفعيلها، خصوصية لبنان ستبقى كما هي قبل المؤتمر وبعده، توازن الردع مع اسرائيل، والحسم المبكر على الحدود الشرقية، اخرجا لبنان من دائرة الصراع المباشر، وتفرد اي فريق سياسي بقرار لا يتوافق مع التفاهمات الداخلية يعد وصفة انتحار، فهذا الفريق لا يملك مقومات الصمود او احتمالات النجاح، كما انه غير مكلف راهنا بأي مهمة على هذا المستوى العالي من الخطورة، ولذلك تتم مقاربة هذه القمة من زاوية اخرى لها ابعاد استراتيجية خاصة بالصراع مع اسرائيل، والاسئلة كثيرة وكذلك الشكوك في قدرة الرئيس الاميركي دونالد ترامب على ترسيخ تعاون علني بين دول الخليج والاسرائيليين دون تقديم شيء ملموس للشعب الفلسطيني..اما الصراع مع ايران فله حسابات اخرى وستقف الطموحات السعودية عند حدود المصالح الاميركية- الروسية في المنطقة، كما ان الطموحات بان تكون هذه القمم مقدمة لتفاهم لا عودة عنه لاسقاط النظام السوري، هي مجرد اوهام غير واقعية لن تجد اي صدى على ارض الواقع في ظل المتغيرات الميدانية المتسارعة في سوريا.
الرئيس الاميركي دونالد ترامب معني بالدرجة الاولى في «اعادة الروح» لتحالفات بلاده في المنطقة، ومن الواضح انه تجاوز لغة المصالح المتبادلة وعاد الى مربع مصلحة اميركا اولا، وهي تحتاج ازاء ازماته الداخلية المتلاحقة الى تنفيذ شيء من وعوده الانتخابية والامر لا يتعلق بشن الحروب هذه المرة وانما بجمع المال الكافي من دول الخليج مقابل حمايتها، وليس شن الحروب نيابة عنها، ولهذا فهو يأتي بعقلية «الجابي» الذي يريد تحصيل حقوقه المالية…
وللدلالة على ذلك تشير الاوساط السياسية البارزة الى ما حصل في اجتماع «آستانة» الأخير، حيث اثبتت الوقائع ان التحكم بالمسالة السورية لا يزال في يد فلاديمير بوتين، غير القادر عن قناعة على تجاوز الدور الايراني المحوري على الارض في سوريا والعراق…
فحسب وعود ترمب كان يفترض ان تخرج إيران من المعادلة السورية، لكن تم تكريسها مجدداً من قبل روسيا دولة ضامنة للاتفاقات، اما الذين يراهنون على فراق روسي ـ إيراني قريب أو بعيد، فيقعون في خطأ فادح، لانهم لا يعرفون حقائق الأمور، فالمصالح الاستراتيجية المشتركة بين الدولتين تفرض عليهما تحالفاً طويل المدى، فما يريده بوتين فعليا إنهاء هيمنة الولايات المتحدة على العالم وهو هدف مشترك مع طهران، وموسكو لا ترى أي جدوى من تعزيز علاقاتها مع الدول العربية على حساب علاقاتها مع ايران لانها تدرك انها غير قادرة على التحرر من النفوذ الاميركي «الحمائي»… وفي السياق نفسه لا تبدو الرهانات في الداخل على تفكيك التحالف بين حزب الله والتيار الوطني الحر في مكانها، فعلى الرغم من «هفوات» رئيس التيار المستمرة تبقى العلاقة مصانة بضمانة رئيس الجمهورية واقتناع قيادة التيار بصوابية خياراتها الاستراتيجية في الداخل وفي المنطقة… ومن هنا فان قمة الرياض لن تترك اثارا مباشرة على الساحة اللبنانية، ويبقى انتظار ما يمكن ان تتركه من اثار سلبية على الملفات الساخنة في المنطقة، هذا اذا نجح ترامب «المتعثر» داخليا في جمع تناقضات حلفائه الكفيلة بإجهاض اي نتائج مرتقبة لهذه الزيارة…