لو لم يكن في لبنان قادة مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له لما كان ثمة حاجة الى انتظار ما ستقرره ايران أو غيرها كما لم يكن ثمة حاجة الى دوحة جديدة كتلك التي فرضت عليهم جميعاً انتخاب رئيس للجمهورية من خارج 8 و14 آذار واجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين معدلاً تعديلاً طفيفاً، وتشكيل حكومة وحدة وطنية توزعت فيها المقاعد والحقائب محاصصة بين القوى السياسية الأساسية في البلاد. ولما كان تقرر في الطائف أن يكون رينه معوض رئيس لبنان وليس سواه لأنه هو الأصلح لتلك المرحلة. ولو لم يكن في لبنان قادة مرتبطون بخارج لا بل مرتهنون له لما كان انتخاب رئيس للجمهورية في حاجة الى طاولات حوار انما كانت الحاجة الى جلسة نيابية، يستمر انعقادها الى ان تنتخب فيها الأكثرية من تشاء رئيساً للجمهورية من بين المرشحين المعلنين وغير المعلنين.
والواقع ان الحوارات لم تسفر حتى الآن عن نتيجة حتى بالنسبة الى الموضوع الأهم الا وهو انتخاب رئيس للجمهورية.
فالحوار بين “القوات اللبنانية”، و”التيار الوطني الحر”، أسفر عن اتفاق على عدد من المواضيع باستثناء موضوع الانتخابات الرئاسية. والحوار بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” أسفر عن الاتفاق على شيء واحد الا وهو منع حصول فتنة شيعية سنية حرصاً على استمرار الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في البلاد ولكن بعد الاتفاق على استبعاد البحث في موضوع الانتخابات الرئاسية وبطلب من “حزب الله”. وفي الحوار الجامع برئاسة الرئيس نبيه بري لم تظهر حتى الآن اي نتيجة سوى تبادل الكلمات الهادئة أحياناً والمتشنجة أحياناً أخرى عندما تتناول موضوع الانتخابات الرئاسية. ولأن “حزب الله” ينتظر كلمة ايران فهو يرى في الحوار شراء للوقت الى أن تصبح ايران في وضع الجاهز على قول كلمتها، ولكي يطول هذا الحوار ولا يظل يدور في حلقة مفرغة حول موضوع الانتخابات الرئاسية ارتأى البعض الانتقال الى البحث في موضوع قانون الانتخابات على أساس النسبية علّ الاتفاق عليه يفتح ثغرة في جدار الخلاف على انتخاب رئيس للبنان إذ أنه في حال صار اتفاق على هذا القانون يشعر “حزب الله” ومن معه انه قد يضمن له أكثرية نيابية في مجلس النواب العتيد فلا يعود ثمة مبرر للتمسك برئيس من 8 أو من 14 آذار كونه يمثل بيئته تمثيلاً صحيحاً كما لا يعود ثمة مانع من القبول برئيس من خارج هذين التكتلين الكبيرين يسمى “توافقياً” لأنه يصبح محاصراً ومطوقاً من هذه الأكثرية المرتقبة، لكن الاقطاب الذين يمثلون 14 آذار يصرون على الاتفاق أولاً على بند رئاسة الجمهورية كي يصير في الامكان الانتقال الى البحث في قانون الانتخابات الذي وان صار اتفاق عليه وظل الخلاف قائماً على موضوع الرئاسة فلا يكون معنى عندئذ لأي اتفاق اذا لم يشمل انتخاب رئيس للجمهورية حتى اذا ما جرت الانتخابات تجرى بوجوده وليس في ظل شغور رئاسي وكأن كل شيء يمكن أن يسير سيره الطبيعي في البلاد من دونه.
لقد اعتبر بعض المتحاورين أن الانتقال الى تحديد مواصفات رئيس الجمهورية يشكل تقدماً في حين أن ذلك قد يشكل وسيلة جديدة للهو وتقطيع الوقت. فقد يلتقي المتحاورون على تحديد المواصفات عندما يظن كل طرف منهم انها تنطبق على مرشحه أو يعطي مواصفات تنطبق عليه فينتهي النقاش باتفاق على مواصفات من دون الاتفاق على المرشح الذي تنطبق عليه أو ينتهي الى خلاف حول أن يكون المرشح يلبس نظارات أو له شاربان أو يكون أصلع…
الواقع، أنه لو ان قادة في لبنان يفكّون ارتباطهم بأي خارج ويعودون الى لبنانيتهم يصبح قرارهم حراً بأنهم يستطيعون عندئذ الاتفاق على مرشح يفوز بالتزكية أو على مرشح قوي هو العماد ميشال عون ينافسه مرشح قوي آخر هو الدكتور سمير جعجع، فاذا لم يستطع اي منهما الفوز بأصوات الأكثرية النيابية المطلوبة، فينبغي عندئذ الاتفاق على مرشح من خارج 8 و14 آذار واذا تقرر ذلك ترك الأمر للأكثرية النيابية عملاً بالدستور وبالنظام الديموقراطي.
لقد تلهى المتحاورون خلال جلسات بتحديد مواصفات رئيس للبنان ومن دون اتفاق، وقد يفكر بعضهم في الاتفاق على صفات الرئيس لأنها أهم من مواصفات قد لا تجعل صفاته غير الحسنة يتمتع بهذه المواصفات… فكفى دوراناً في حلقات مفرغة ليبقى الحوار من دون قرار في انتظار أن يصدر عن الخارج، والمصيبة ان أحداً لا يعرف متى يصدر وهل يستطيع لبنان الانتظار الطويل ويظل صامداً سياسياً وأمنياً واقتصادياً؟