لم يهضم «حزب الله» وحلفاؤه «تفاهم معراب» منذ ولادته وبات المشهد الجامع بين «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» سبباً لانبعاث القلق لِما يقدّمه من مكتسبات للمسيحيين وصلابة في المواقف وإحراج لحلفاء وخصوم الحزبين الأكثر تمثيلاً في الساحة المسيحيّة. لذلك لم تتوقف محاولات الفصل بين الحليفين الجديدين، وربما المطلوب من عون المرشّح الحالي والرئيس المستقبلي أن لا يكون قريباً من «القوات» على هذا النحو، وأن لا يقدّم لها أي وعود وأي مكتسبات تجعلها شريكة في الحكم. فهل ينجحون؟
لم يكن «تفاهم معراب» حدثاً عابراً في الحياة السياسية اللبنانية، فهو خربَط رهانات واستراتيجيات وتكتيكات وخلط الأوراق لدى قوى «8 و14 آذار»، والأهم انه جعل المسيحيين أقوى وأكثر فعالية في حركتهم السياسية، وما الصورة الأخيرة التي جمعت بين رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل منذ أسبوعين، مُلتفَّين حول البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، إلّا رسالة قوية أريد بها إبلاغ المعطّلين الراغبين بتحميل عون شروطاً وقيوداً على شكل «سلّة»، بأنّ المسيحيين يرفضون كل ما يمسّ كرامة رئيس الجمهورية العتيد ولن يقبلوا بما يكبّل صلاحياته وهم ليسوا مستعدين إلّا لتطبيق ما جاء في الدستور.
لا شك في انّ هذه الصورة الجامعة القوية للمسيحيين لم تكن لتبصر النور لولا «تفاهم معراب» الذي لا توفّر بكركي فرصة إلّا وتباركه فيها وتنوّه به نظراً إلى وعيها وإدراكها لأهميته مسيحياً ووطنياً.
لكنّ الراحة التي تشعر بها بكركي حيال «تفاهم معراب» باتت مزعجة لـ»حزب الله» وحلفائه، إذ يبدو انّ الحليفين المسيحيين ينسّقان خطواتهما ويرسمان الاستراتيجيات وقد ساهما في إقناع رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري بتأييد عون للرئاسة، وكان لـ«القوات» دور رئيسي بذلك، هذا ما يؤدي إلى إحراج «حزب الله» الذي كان يستخدم رفض الحريري لعون كورقة تكتيكيّة يبدو انّه في طريقه إلى خسارتها.
ها هو «تفاهم معراب» يجرّد «الحزب» من أوراقه الرابحة، ورقة تلو ورقة، وكان ردّ الأخير سريعاً برسالة عبر أحد الإعلاميين المحسوبين عليه بعدما كان مجتمعاً مع مسؤول في «حزب الله»:»انّ وصول قائد جيش أو وزير دفاع أو وزير داخلية من «القوات» ممنوع و«حزب الله» لن يقبل بذلك، ونقطة على أوّل سطر». وجاء هذا الكلام في معرض الردّ على الكلام عن تعهّد الوزير باسيل بمنح حقيبة وزارة الداخلية إلى النائب ستريدا جعجع.
لا شك في انّ «حزب الله» لم يَستسغ «تفاهم معراب» وكل ما يقرّب عون من «القوات»، بل يزعجه كل ما يعيد عون إلى الثوابت المسيحيّة. و»الحزب» يعرف انّ «القوات» ليست مستعدة للتنازل عن هذه الثوابت والمبادئ، وفي مقدّمها رفض دويلة «الحزب» وسلاحه غير الشرعي وقتاله في سوريا وكل ما يعيق بناء الدولة القويّة والفعليّة.
واستمرار التفاهم بين «التيار» و«القوات» وما يترتّب عليه من اتفاقات على الشراكة في الحكم والاستحقاقات الانتخابية وإعادة الاعتبار للمسيحيين في المؤسسات الدستورية والتعيينات، بات يزعج صانعي القرار في «الحزب»، وهؤلاء إن قبلوا على مَضض بعون المرشّح المتفاهم مع «القوات» لأهداف تكتيكيّة تخدم وصوله إلى الرئاسة، فإنهم لن يقبلوا بعون «الرئيس» المتفاهم مع «القوات» لأهداف استراتيجيّة تعيد إلى
رئاسة الجمهورية اعتبارها وتجعل المسيحيين أكثر صلابة وفعالية في حركتهم السياسيّة.
من هنا، لن تتوقّف محاولات «حزب الله» وحلفاؤه لفكّ الإرتباط بين «التيار» و«القوات»، ولعل الضغوط ستزداد على عون كي يبتعد عن حليفه المسيحي قبل أن يصل إلى الرئاسة، وربما يكون هذا شرطاً من شروط «السلّة» المطلوب من عون التقيّد بها إذا أراد أن يكون رئيساً.
وكما يحاول «حزب الله» إبعاد عون عن «القوات»، كذلك تسعى «القوات» الى أن تبعده عن «الحزب» مركّزة على انّ «الحزب» لم يقم بأي خطوة عمليّة واحدة لإيصاله إلى بعبدا بل خذلَ اللبنانيين بعدم دعوة حليفيه رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية إلى تأييد عون. وبالعكس، بادرَ الأمين العام لـ«الحزب» السيد حسن نصرالله إلى دعوة عون للتفاهم مع حلفائه!
من المتوقع أن تستمر محاولات «حزب الله» في محاولات الفصل بين ركني «تفاهم معراب»، لكنّ كل شيء يؤكّد ان الإنقسام بين الحليفين المسيحيين لم يعد وارداً مهما كان الثمن.
اللعبة تضيق وكثير من الأوراق بدأت تحترق، فإلى متى يصمد عون أمام الحرب الباردة بين «القوات اللبنانية» و»حزب الله»؟ وما الذي سيستخدمه «الحزب» بعد لتطويل أمدّ الفراغ؟