لا زالت الأمور تدور في حلقة مفرغة وسط أجواء لا تشير إلى حصول أي حلول للإفراج عن الحكومة العتيدة، ومرد ذلك ما يحيط بلبنان من كباش إقليمي ودولي يترك صعوبة في إيجاد المخارج لهذه الأزمة المتفاقمة والتي باتت ترتكز على مصالح إقليمية في ضوء تبادل الرسائل بين دول الإقليم وحيث بات لبنان منطلقاً أساسياً في هذا السياق، وهذا الأمر أدخله في نفق مظلم على كافة المستويات ولا سيما في إطار المساعي الهادفة لإعلان التشكيلة الحكومية المرتقبة.
وإزاء هذه الأجواء الضبابية، تشير مصادر سياسية عليمة إلى أن الساعات الماضية لا تدل على أي بادرة خير يمكن البناء عليها لأن الأمور خرجت عن نصابها وذلك ما ظهر جلياً من خلال مبادرة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والتي تولى تسويقها وزير الخارجية جبران باسيل والذي ومن خلال المتابعة لجولته تبين أن الامور ما زالت بحاجة لبعض «الروتشة»، بالاضافة الى بعض الاعتبارات وتحديداً في إطار العلاقة مع حزب الله الذي صوب ادائه بعد التشنجات والحملات التي حصلت بين التيار الوطني الحر والنائب جميل السيد على خلفية لوحة نهر الكلب، ما دفع وفق المعلومات بحزب الله إلى التدخل بين الحلفاء وإقفال هذا الملف كي لا تخرج الأمور عن نصابها، في وقت كان الوزير باسيل يقوم بجولاته ومساعيه ولا سيما لقاءه الأبرز مع نواب الثامن من آذار، إذ تبين بعد تصريحه إثر اللقاء مع هؤلاء النواب بأنه لا يمكن لاي طرف أن يجترح المعجزات لناحية إقناع النواب المذكورين باعتبار أن باسيل يدرك بامتياز أن حزب الله هو الذي أكد أنه لا حكومة إلا بتوزير أحدهم ولهذه الغاية قام وزير الخارجية بتدوير الزوايا تاركاً الحلول في عهدة الرئيس المكلف سعد الحريري ما يعني أن الأوضاع عادت إلى المربع الأول.
من هنا تبدو الأجواء ضبابية وبحاجة إلى تدخلات على أعلى المستويات من خلال تحرك دولي وإلا ليس في الأفق ما يؤشر إلى حكومة قريبة لا بل إن الكثيرين ممن يتابعون الاتصالات والمشاورات وعلى اطلاع على مجريات الأوضاع يؤكدون استحالة تشكيل حكومة في خضم هذه الأجواء في المنطقة وصولاً إلى تفاعل الانقسامات في الداخل اللبناني وبالتالي التفتيش يجب أن يكون خارج البلد بغية ممارسة الضغوطات على المعرقلين وإلا ليس ثمة ما يوحي بأي إيجابيات في هذه المرحلة.
وفي المقابل، ينقل عن أوساط قريبة من بيت الوسط أنه وفي حال اجتمع الرئيس الحريري بنواب سنة المعارضة أم لم يجتمع، فموقفه واضح ولن يتبدل حيال هذه المسألة لأن لا شيء لديه يقدمه لهم ويدرك كل الأهداف والأسباب التي دفعتهم إلى التحرك بإصرار على توزيرهم لأن هذه العقدة في مكان آخر، وتحديداً عند حزب الله وخلفه إيران، وبالتالي ليس هناك عرف أو وعد ما لتوزير أحد هؤلاء النواب، بل المسألة تتخطاهم وأهدافها معروفة ما يعني أن المرحلة الحالية هي للاتصالات واللقاءات ولكن ليس من حلول في إطار ما يحيط بلبنان من مخاوف وقلق بفعل التهديدات الإسرائيلية وكذلك عدم إقفال الملف السوري وصولاً إلى ما يجري في فلسطين وتالياً ارتفاع منسوب الانقسامات الداخلية حول أكثر من ملف سياسي واقتصادي، بينما يبقى الشأن الاقتصادي عامل تفجير نظراً لخطورته وما آلت إليه الأوضاع على هذا الصعيد من قلق اجتماعي ومعيشي ومالي، لذا كل هذه العناوين مجتمعة تبقي تشكيل الحكومة يراوح مكانه.
وأخيراً فإن الأيام المقبلة قد تكون مفصلية وسط ترقب لما ستؤول إليه حالة المنطقة ومن ثم انعكاساتها على لبنان، وقد تكون محطة عيد الاستقلال وتلاقي الرؤساء على هامش استقبالات القصر الجمهوري مناسبة للتشاور حول الشأن الحكومي وما وصلت إليه من طريق مسدود ولا سيما بعد مبادرة رئيس الجمهورية الأخيرة والتي قام بها الوزير باسيل. إنما هذه المشاورات تبقى في إطار تبادل الأفكار وليس الحسم لأن عملية التفتيش عن مخرج للخروج من هذا النفق الحكومي المظلم لا زالت سارية المفعول وتحتاج إلى جهود كبيرة خارج المساعي المحلية والتي حتى الآن لم تعط النتائج المتوخاة.