IMLebanon

هل اخطأت «القوات» بدعم وصول الجنرال الى الرئاسة؟

في 6 شباط 2006، تمّ توقيع «ورقة تفاهم» بين «حزب الله» و«التيّار الوطني الحُرّ»، وهي تحوّلت مع الوقت إلى حلف إستراتيجي تظهّر في أكثر من مُناسبة، وتثبّت في إنتخابات العام 2009 النيابيّة وفي أكثر من حدث سياسي بعدها. لكن في السنتين الماضيتين شهدت هذه العلاقة بعض الفُتور- إذا جاز التعبير، نتيجة تقارب «التيّار الوطني الحُرّ» من حزب «القوّات اللبنانيّة»، بدءًا بما سُمّي «إعلان النوايا»، مُرورًا بأسلوب تعاطي «الوطني الحُرّ» مع موضوع الإنتخابات الرئاسيّة، وُصولاً إلى تبنّي «القوّات» ترشيح العماد عون للرئاسة من معراب بالتحديد في حُضور «الجنرال» وتوقيع «تفاهم معراب» بين الطرفين. كما شهدت العلاقة بين «حزب الله» و«الوطني الحرّ» تباينًا في الآراء خلال المُفاوضات الخاصة بقانون الإنتخابات، في ظلّ حديث في حينه عن تحالف إنتخابي مُرتقب بين «التيّار» و«القوّات» قبل أن يأتي التوافق على قانون يعتمد «مبدأ التصويت النسبي» وليس الأكثري ليُسقط هذا الإحتمال.

وفي الأشهر الأخيرة، وخلال مرحلة ما بعد تشكيل الحُكومة، شهدت علاقة «حزب الله» و«التيّار الوطني الحُرّ» بُرودة غير مُعلنة في ظلّ تقارب ملحوظ بين هذا الأخير و«تيّار المُستقبل»، وتزايد الحديث عن تحالف إنتخابي بين الطرفين في الدورة النيابيّة المُقبلة في العام 2018. لكن في الأيّام والأسابيع القليلة الماضية، وفي خضم الحملة السياسيّة -الإعلاميّة على «حزب الله» تموضع «التيّار الوطني الحُرّ» في مُقدّم المُدافعين عن «الحزب»، وأطلق العديد من المواقف التي خيّبت آمال المُراهنين على تموضع وسطي من جانبه، وصدرت مواقف ثناء مُتبادل على لسان كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حزب «التيّار الوطني الحُرّ» الوزير جبران باسيل وأمين عام «حزب الله» السيّد حسن نصر الله.  فكيف تتجه الأمور، وهل أخطأت القوات» في دعم وُصول «الجنرال» لمنصب رئاسة الجُمهوريّة؟

أوساط مسيحية مقربة من القوات أكّدت أنّ إنتقادات الفريق السياسي ضُمن قوى «14 آذار» السابقة، والذي كان مُعارضاً لأي تقارب بين «القوّات اللبنانيّة» و«التيّار الوطني الحُرّ» بلغت ذروتها في المرحلة الأخيرة، شأنها شأن إنتقادات الفريق السياسي ضُمن «تيّار المُستقبل» الذي كان مُعارضاً لأي تفاهمات بين تيّاري «المُستقبل» و«الوطني الحُرّ». وأضافت أنّ هؤلاء المُعارضين يتحدّثون بسُخرية اليوم عن سُقوط رهانات كل من «القوّات» و«المُستقبل» على أي تغيير فعلي في مواقف «التيار الوطني الحُرّ» ورموزه من القضايا الخلافية الأساسيّة، مُشيرة إلى أنّ «الوطني الحُرّ» جدّد أخيراً تموضعه السياسي الواضح إلى جانب «حزب الله» عندما بلغت الأمور مرحلة الإختيار بين الأبيض والأسود، بعد أشهر من المُراوغة وإعتماد المواقف الرماديّة – إذا جاز التعبير ـ لضرورات مصلحيّة ظرفيّة لا أكثر.

وشدّدت الأوساط نفسها على أنّ تحالف «التيّار الوطني الحُر» و«حزب الله» هو إستراتيجي الطابع، ومبنيّ على أسس متينة وبعيدة المدى، الأمر الذي يجعل الطرفين قادرين على تجاوز الكثير من الخلافات والتباينات بسهولة، بينما التحالف أو التفاهم بين «التيّار الوطني الحُرّ» وكل من «القوّات» و«المُستقبل» هو تكتيّ ومُرتبط بظروف مُحدّدة تقوى حينًا وتضعف حيناً آخر. ولفتت الأوساط نفسها إلى أنّه إذا كان صحيحاً أنّ صفحة العداء بين «الوطني الحُرّ» و«القوات» قد طويت إلى غير رجعة، فإنّ الأصحّ أنّ الإختلاف في وجهات النظر بشأن العديد من القضايا عاد ليظهر بوضوح بين الطرفين، وأجواء الودّ والإنسجام بين الطرفين تراجعت كثيراً بعد تأكّد كل من «الوطني الحُر» و«القوّات» أنّ مصلحتهما الإنتخابيّة لا تتأمّن بلوائح مُشتركة بل بلوائح مُتقابلة في الإنتخابات النيابيّىة المُقبلة في أيّار من العام 2018. وتابعت الأوساط نفسها أنّ هذا الواقع دفع »الوطني الحُرّ» إلى فرملة التقارب مع «القوّات»، وإلى عدم السعي لإرضائها لا في التعيينات ولا في المواقف ولا في أسلوب الحُكم، الأمر الذي أثار حفيظة هذه الأخيرة، ودفعها إلى التعامل بالمثل في بعض القضايا الحسّاسة!

وبالنسبة إلى طبيعة التحالف بين «التيّار الوطني الحُرّ» و«تيّار المُستقبل» لفتت الأوساط إلى أنّ الأوّل لمس أنّ مُطلق أيّ تحالفات مَوضعيّة مع الثاني في الإنتخابات المُقبلة، ستكون على حساب خسارته دعم أصوات «حزب الله» ومن يمون عليهم «الحزب»، فقرّر إعادة النظر بخياراته في هذا الصدد، مع ترجيح لجوئه مُجدّداً إلى تموضعه الإنتخابي الذي جرى إعتماده في إنتخابات العام 2009. كما أنّ «المُستقبل» تأكّد بدوره أنّ التفاهم مع «الوطني الحُرّ» الذي أوصله إلى موقع رئاسة الحُكومة، لن يكون كافيًا للإحتفاظ بهذا المنصب في حال خسارة الأغلبيّة النيابيّة الداعمة له في الدورة الإنتخابيّة المُقبلة، وبخاصة أنّ «حزب الله» يُراهن على الإنتخابات المُقبلة لإحداث تغيير جذري في التوازنات السياسيّة القائمة في لبنان منذ العام 2005 حتى اليوم، ما يعني أنّه سيعمل على تشكيل لوائح قويّة ومُتماسكة بمُواجهة «تيّار المُستقبل» في أغلبيّة الدوائر بهدف تقليص كتلته النيابيّة قدر المُستطاع.

وخلصت الأوساط المقربة من القوات إلى أنّ الحديث عن «خطأ» في دخول كل من «القوّات» و«المُستقبل» في تسوية مع «التيار الوطني الحُرّ» أفضت في نهاية المطاف إلى وصول العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، قد يُصبح ملموساً بشكل لا يقبل الشكّ في المرحلة المُقبلة، في حال تموضع «الوطني الحُرّ» بشراسة بمُواجهة «القوّات» و«المُستقبل» في الإنتخابات المُقبلة، والأخطر في حال عمد بعد ذلك رئيس الجُمهوريّة – ومن خلفه «التيار الوطني الحُرّ»، إلى تشكيل السُلطة التنفيذيّة وفق نتائج الإنتخابات النيابية فقط، وليس وفق التوازنات السياسيّة والمذهبيّة الدقيقة في لبنان، وعندئذ لن ينفع ندم الفريق الذي راهن على إبتعاد «التيّار الوطني الحُرّ» عن «حزب الله»، ختمت هذه الأوساط.