في عاصفة نادرة في قسوتها في هذا الجزء من العالم، يسجل مئات الناشطين السوريين واللبنانيين ملحمة صغيرة في مساعدة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين المتروكين للثلج والبرد والموت البطيء.
أفراد وجمعيات أهلية محدودة الإمكانات قرروا تحمل مسؤوليات تمتنع الحكومات والمنظمات الدولية الكبرى عن المساهمة في التخفيف من جسامة أعبائها. لم تعد مأساة اللاجئين السوريين تحرك شيئاً، لا في المشاعر الإنسانية ولا في الحسابات السياسية. قضية مهملة متروكة لعوامل الطبيعة، تضاف إلى عشرات القضايا المشابهة تغطيها وتجذب الاهتمام المفترض أن تلقاه قضايا أخرى في منطقة تنهار مكوناتها السياسية والاجتماعية واحدة بعد الأخرى.
ومن بين الصامتين والمتفرجين الباحثين عن مبررات للامبالاتهم، نادراً ما يشار إلى المذنب الحقيقي والأول في هذه الكارثة الإنسانية. سفير النظام السوري في بيروت يلزم الصمت. حكومة دمشق ساكتة. الرئيس الذي اقتحم خط المواجهات الأول في حي جوبر ليس متوافراً للتعليق، على رغم كل رطاناته وتحليلاته الاستراتيجية عن مستقبل العالم ودور نظامه في مكافحة الإرهاب.
لا! الأسد غير معني بهذه المصيبة التي يفترض أن يتشارك اللبنانيون والسوريون في تحملها. فهو لم يدمر البلدات والقرى ولم يطلق جلاوزته لاعتقال الناس على الهوية ولم يقصف بالطيران والبراميل الأفران والمدارس والمساجد. لذلك، يتجادل اللبنانيون والسوريون بحمية وحدّة ويتقاذفون الاتهامات بالتقصير والعنصرية فيما يقبع البعض دافئاً في «قصر الشعب».
ولم يترك النظام السوري دليلاً لم يقدمه على عدم استعداده للمساهمة في الكارثة التي صنعها بيديه. في آب (أغسطس) الماضي، منع مئات من اللاجئين الهاربين من المعارك في عرسال من العودة إلى قراهم. وقبلها بأشهر تنكر لوعود قطعها أتباعه الذين استخدموا أساليب الترهيب والترغيب لحمل اللاجئين على المجيء إلى سفارته «لتجديد البيعة» للرئيس. وعندما صدّق بعض اللاجئين الوعود وحاولوا العودة كانت مدرعات الجيش العربي السوري في انتظارهم على الحدود لتردهم على أعقابهم إلى مخيمات الذل والعوز.
السؤال المطروح هنا ليس عن سبب امتناع النظام عن المساعدة في تخفيف معاناة اللاجئين، بل العكس، عمّا يحمله على التراجع عن سياسة نفذها عن سابق تصور وتصميم. العاصفة الثلجية تُكمل سياسة اعتمدها النظام في القضاء على مواطنيه غير المرغوب فيهم وتخدم أفكاره في التغيير الديموغرافي في سورية وإرباك خصومه في لبنان (الذي تقوم سياساته على التوازنات الطائفية) بكارثة إنسانية وبخطر التغير في نسب السكان وبصراعات سياسية لا أول لها ولا آخر.
الموت برداً هو العنصر الجديد في مشروع التخلص من الكتلة السكانية المناوئة للنظام في مناطق يريدها تحت سيطرته الكاملة. عليه، سيتفرج سعيداً على الآخرين يغرقون في تفاصيل المعاناة والمشكلات التي تحملها، على تصاعد العنصريتين المتقابلتين، اللبنانية والسورية، وهذه ليست إلا علامة عجز الجانبين عن الخروج من مأزق سقطا فيه ولا يملكان في مواجهته غير أفكارهما المسبقة والجاهزة الغنية بالمرارات والكراهية، للتعامل مع الآخر ومع أزمة من طراز جديد خرافية الأبعاد.
وفيما يشن «معارضون» سوريون حروباً دونكيشوتية من بيوتهم الدافئة في بيروت وغيرها، على من يفترض أن يكسبوا دعمهم وتأييدهم، ضاربين عرض الحائط بتضحيات ناشطين لبنانيين وسوريين، يموت مواطنهم اللاجئ برداً وقهراً بعدما حاول النجاة من التطهير الطائفي في بلده.