تأمين المازوت في عكّار والشمال أصبح يُشبه إلى حدٍّ كبير حكاية إبريق الزيت. فبالرغم من أزمة النقص في المحروقات ولا سيما مادة المازوت التي تعانيها البلاد، فإنّ مشهد انتشار بائعي المازوت على الطرقات من عكّار حتى طرابلس يدعو إلى الحيرة، علماً بأنّ المنطقتين، والشمال بشكل عام، من اكثر المناطق التي تُعاني من هذه الأزمة التي ما تكاد تنتهي حتى تعود مُجدّداً.
مازوت على الطرقات
ما يُثير تساؤلات المواطنين وتضجّ به وسائل التواصل الإجتماعي، هو انتشار باعة المازوت على الطرقات، وبشكل أساسي في عكّار، بينما تعاني محطّات المنطقة ومولّدات الإشتراك من نقص في تأمين هذه المادة، وينسحب هذا النقص بالتالي على المستشفيات وكل المؤسّسات. فالمازوت غير متوفر، وإن توفّر فبكمّيات قليلة، أقلّ بكثير من حاجة عكّار اليومية له، ومع ذلك ينتشر باعة المازوت على الطرقات، يضعونه في غالونات سِعة 10 ليترات لبيعها على الطريق وبشكل علني، وعلى مرأى الأجهزة الأمنية ووزارة الإقتصاد التي يُفترض أنّها الجهات المخوّلة محاربة بيعه وبيع غيره من المواد في السوق السوداء.
فمثلما تنشط السوق السوداء في عكّار والشمال على مختلف الصعد، فتبيع وتشتري مختلف المواد لا سيما الغذائية وغيرها، من مدعوم وغير مدعوم، راحت تجارة المازوت في السوق السوداء تنشط وبقوة هي الأخرى. فما هي قصّة هذا الملف؟
ونحن نشير إلى الأزمة الأساسية المُتمثّلة بعدم فتح اعتمادات لشراء المازوت من قِبل الدولة، أو التأخّر بفتحها، لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى أنّ الكمّيات القليلة التي تُسلّم للمناطق، وهي أقلّ من حاجتها، باتت تخضع لمعايير السوق السوداء وشروطها وضغوطها.
استناداً إلى المعلومات التي أمكن جمعها في هذا الملفّ من أكثر من مصدر (محطات – بائعون – معنيون .. ) فإنّ المسؤولية في هذا الملفّ تتوزع على أكثر من جهة وجبهة.
وفي هذا السياق، نورد المشهد التالي: على بعد أمتار قليلة من إحدى المحطّات في عكّار، ثمّة بائع ذرة أو موز، وفي الوقت نفسه لديه عدد من غالونات المازوت وسِعة كل منها 10 ليترات، ويبيع الغالون الواحد بسعر 12 ألف ليرة. وعلى مقربة من محطّة أخرى، ثمّة بائع قهوة ويبيع غالون المازوت سِعة 10 ليترات بـ 15 ألف ليرة. السؤال الأساسي هنا ليس في فارق السعر بين البائع الأول والبائع الثاني، بقدر ما هو: لماذا يتواجد المازوت لدى بائع البسطة أو على الطريق، ولا يتواجد في المحطات؟ وإن وُجد، فبكمّيات قليلة، أو عليك انتظار دَورك والاصطفاف في طابور، فتضطرّ لكسب الوقت لشراء المازوت للسيارة أو للمولّد من البائع على الطريق.
البائع القريب من محطّة لا بدّ انّه حصل منها على هذه الكميات، فيبيعها بعيداً عنها قليلاً بسعر السوق السوداء، أي بحوالى 25 ألف ليرة، أي بزيادة 7 آلاف ليرة تقريباً عن سعر المحطّة الرسمي، ويعود في نهاية يومه لتسليم الغلّة الى صاحب المحطّة ويأخذ حصّته منها. أما البائعون البعيدون عن المحطّات فهم اشتروا منها أو من بعض الموزّعين المُعتمدين في المنطقة، بسعر أقلّ من السعر الرسمي (سعر المحطات)، وراحوا يبيعونها في السوق السوداء بسعر هذه السوق. من هنا يتساءل المواطنون ومن يحتاجون فعلاً للمازوت، كالمؤسسات والمستشفيات وغيرها: “لماذا يتوفر المازوت في السوق السوداء ولا يتوفر لدى الموزعين أو المحطات، إلا بشقّ الأنفس؟ ومن يتحمّل المسؤولية الفعلية في هذا الملف بين هذا وذاك وأولئك؟ أم أنّ القصّة في المازوت هي “من هالك إلى مالك إلى قبّاض الأرواح”؟ في المُحصّلة، ما يجري بشأن المازوت في عكّار والشمال يؤكد أنّ المازوت المدعوم من جيب المواطن، يُباع من جديد للمواطن بالأسعار التي يُحدّدها تجّار السوق السوداء وأهل الطمع، وأنَّ الآليات التي وضعتها وزارة الطاقة للتوزيع، لا تُساوي ثمن الحبر الذي كتبت فيه قراراتها، وأنّ الأمور بحاجة إلى آليات أخرى أكثر شفافية ومصداقية في عملية التسليم، وأكثر مُراقبة ومُتابعة في عملية البيع لدى المحطات وأصحاب المولّدات والموزّعين، وكل من هو معنيٌّ بهذا الملفّ من قريبٍ أو من بعيد، حتى لا يبقى حاميها حراميها.