ظاهرة مصادرة الصهاريج تُنبئ بفلتان أمني وتُمهّد لفوضى عارمة
على وقع الظلم والفساد والازمات، يحيي الناس ذكرى عاشوراء، مدرسة محاربة الظلم وبسط العدل، وسط العتمة الحالكة تقام مجالس عزاء ابي عبد الله، الامام الذي خرج الى كربلاء قبل 1400عام لطلب الاصلاح في امة جدّه بعدما سادها الفساد والبطش والحرمان والجور، ذات الفساد والظلم الذي يعيشه المواطن اليوم، والفاسد نفسه، فخلق ثورة خلدها التاريخ. غير ان تلك الثورة لم تفعل فعلها اليوم، فالناس نيام عن أزمات، صامتون في وجه العتمة التي غيّرت مجرى حياتهم.
حتى الشمع بات مستحيلاً شراؤه، فسعره سجّل 61الف ليرة لبنانية، مبلغ يوازي عمل يومين لمياوم في لبنان، هذا المياوم الذي يمضي نهاره يعمل، بات صعباً عليه شراء شمع لاضاءة منزله المظلم بعدما اتخذت معظم الموتورات الخاصة في النبطية قراراً بالاطفاء، وعلى المواطن تدبّر امره.
ففي عز الحاجة للشمع، الشمع محظور على الفقراء اذ بات لمن استطاع اليه سبيلاً. فمعظم الدكاكين نفضت الغبار عن ” كنز الشمع المنسي” واعادوا تسعيره من جديد وفق سعر الدولار الاسود، رغم انهم يحتفظون به على زمن دولار الـ1500 ولكن العز للاحتكار هذه الايام، وبات الدكنجي ملك السوق، فالشمع مطلوب جداً، ليغطي انقطاع الكهرباء والاشتراك، ولكن هل يستطيع المواطن شراءه؟
وقف ابو حسين امام سعر كيس الشمع، تأمّله طويلاً قبل ان يصرخ “كيف بدي اشتريه بـ60 الف ليرة”، بل يرفع صوته “نحن نعيش ثورة عاشوراء التي حاربت الظلم ليحيا العدل، للاسف نعيش ظلماً أسوأ وفقراً مدقعاً ولكن من يثور ضدّ الفاسدين؟ لا أحد”.
يسأل ابو حسين العامل على خط جمع النفايات “كيف لي أن اشتري كيس شمع تجاوز سعره امكانياتي”؟ وأكثر ما يثيره “أن كيس الشمع ارتفع سعره بين ليلة وضحاها 50 الف ليرة، فكيف نعيش”؟ يسأل ويمضي في طريقه يجمع القمامة، علّه يعثر على فانوس سحري يغيّر مجرى حياته، غير انه يقول: “لماذا العامل الكادح يعامل هكذا، الم يشعر المعنيون بظروفنا المأسوية، رفعوا كل شيء وابقوا يوميتنا بـ30 الف ليرة بحجة ان القانون لا يسمح برفع الاجرة، غير أنه يسمح بالتلاعب بالأسعار، وتفريخ تجار الاحتكار”.
طفح كيل الناس، باتوا اكثر قلقاً من ذي قبل، فالأزمات تفرّخ كالفطر، وتطرق باب السلع الرئيسية. فلا مازوت، لا غاز، لا بنزين، لا دواء، وتكرّ سبحة لاءات الازمات والمحتكر واحد.
شلت ازمة المازوت حركة الادارات الرسمية والعامة ومعها المحال والمتاجر والدكاكين، فكل شيء معطل الا حركة طوابير السيارات على المحطات التي فتحت، وما عدا ذلك يعيش الناس اسوأ نكساتهم المعيشية والحياتية والاقتصادية، حولت يومياتهم صراعاً وكباشاً وتقاتلاً بالسلاح، يعيشون قهراً لم يعيشوه في عز الحرب، ناهيك عن بروز ظاهرة جديدة لقطع الطرقات، هذه المرة ليست من الاهالي بل من “شغيلة” أصحاب الاشتراكات الذين باتوا يستغلون الطريق والشارع للضغط باتجاه تأمين المازوت بالسعر الرسمي، او القبض على صهريج مازوت يتجه نحو مستشفى أو محطة وغيرها، فهذه الظاهرة تنبئ بفلتان امني وشيك، وتمهّد للفوضى العارمة التي يخشى منها، وهو امر يتخوف منه الامنيون انفسهم ممن باتوا يقرأون حركة الشارع الاعتراضية بمزيد من القلق، لان توقيف الصهاريج بهذه الطريقة يعني توقف الشركات عن ارسالها الى وجهتها، ما يعني المزيد من الحصار الحياتي.
عطّل المازوت حياة الناس، قطّع اوصالهم، شكّل فقدانه دخول القرى في العصور الوسطى، بحيث تنعزل جميعها بمجرد انقطاع الكهرباء، تتوقف شبكات الخلوي “الفا” و”ام تي سي”، ومعها الانترنت، “عزلة ربما يريدها الزعماء لتمرير سياسات تدمير البلد اكثر”، يعلّق احدهم بغضب، سائلاً “متى يفك الزعماء حصارهم عنا؟ هل يريدون رفع الدعم من دون اعتراض؟ قتلونا، جوعونا، سرقوا اموالنا وكل شيء، نحن في انتظار اعلان الوفاة، ارحمونا”. قصد احمد مركز الضمان لانجاز معاملته الطارئة للمستشفى غير انه اصطدم بالعتمة داخله وتوقف اجهزة الكمبيوتر عن العمل، فالمازوت نفد، ولا معاملات ستنجز، بكى ثم مضى في طريقه عاجزاً عن فعل شيء بالرغم من ان حياة من بالمستشفى في خطر، لا يخفي رئيس مركز ضمان النبطية حسين سويدان خوفه من الأسوأ، فهو يرى أننا نواجه واحدة من أسوأ الكوارث التي يعيشها الوطن، حتى في عز جائحة “كورونا” بقي الضمان يلبي حاجات الناس، غير ان العتمة اليوم غيرت الاحوال، ما ادى الى كارثة حقيقية”، وفق ما أكد سويد الذي لفت الى “اننا نقف عاجزين عن ازمة شلت قدرة العمل اللوجستي والآلي في المكاتب، نحتاج الى كومبيوتر وبرامج الكترونية نعتمد عليها في انجاز المعاملات، اضافة الى ان الموظفين عانوا من عدم وجود وسائل للتهوئة في ظل حرارة طقس حارة جداً”.
أدّى فقدان المازوت الى تعطيل دوائر مصلحة المالية الإقليمية ومكاتب وزارة العمل التي توقفت عن استقبال معاملات المواطنين ومراجعاتهم، ولم تسلم دائرة النفوس من الازمة أيضاً، فكل اوصال المعاملات تقطّعت بفعل المازوت حيث وجّه المحتكرون ضربتهم القاضية، فيما المسؤولون في حل مما يحصل.
تتمدّد حركة الشلل يومياً، والمواطن يراقب ما يحصل، يدعو الى خروج المازوت من قمقم المحتكرين من دون جدوى، فالمازوت مفقود الأثر هذه الايام، ومن الصعب العثور عليه بالسعر الرسمي، حتى تجار السوق السوداء يمارسون سياسة ضغط من نوع جديد، الامتناع عن البيع تمهيداً لرفع السعر اكثر، فالتنكة مرجحة لتتجاوز الـ300 الف ليرة وفق المعلومات، مستغلين حاجة السوق لها بعدما لفت العتمة القرى التي تحولت مدن اشباح، وشلت الاعمال والقطاعات كافة، ما يعني ان الانزلاق الكبير قد وقع…