لافتة قصّة تكرار أهل الممانعة توسّل عودة «التنسيق» اللبناني الرسمي مع سلطة بشار الأسد وتحت ذرائع مختلفة «أهضمها» (إذا صح التعبير) يتعلّق بقضية النازحين السوريين ثم بقصّة ما يُسمّى «مكافحة الإرهاب».
.. قبل مدة، قال لي صديق خبير بالناس والأجناس، أن أبرز علامات فوارق الطبائع بين العصبة البعثية العراقية وعلى رأسها صدام حسين وبين العصبة البعثية السورية وعلى رأسها بشار الأسد، هو أن الأولى كان عندها الكثير من الحرص (الحقيقي) على إظهار تمسّكها بعزّة نفس أكيدة، وتضخيم مفردات الكرامة الشخصية وصولاً إلى دمجهما بالسياسة العامة للحزب والدولة، انطلاقاً من ذلك التماهي الذي يأسر العموم بهموم وهلوسات وأمنيات الفرد الحاكم المؤلمة! أما الثانية الأسدية فتتميز بأنها سوقية وتفتخر بذلك! لا تهتم بالشكل إنما بالمضمون، ولا تهتم بالوسيلة وإنما بالهدف. وجلّ جناها الحكواتي يغرف من كتاب ابتذال لا قعر له، وعلى كل المستويات، بدءاً من الثكنة العسكرية وصولاً إلى دوائر رئاسة الدولة والحزب وملحقاتهما.
في مقابل المبالغة الصدّامية (مثلاً) باستخدام الشاربين في موقع السياسة والقانون والدستور! هناك مبالغة أسدية في إظهار العكس، من خلال المبالغة في هتك الرموز الشخصية، والركون إلى الابتذال في أدنى صوره وأبشعها كنص بديل عن كل شيء آخر. أكان هذا «ثقافة» حزبية، أو قانوناً، أو دستوراً، أو أعرافاً، أو أي كلام آخر قد يمتّ بصلة ما إلى مكارم الأخلاق!
ولم يكن ممكناً اتهام العصبة الصدّامية باللطافة أو الخجل، لكنها كانت حريصة على إخفاء وقاحتها السلطوية البطّاشة بلغة أدبية، أو مؤدبة، أو فيها شيء من مفردات الصحّ والخطأ والحق والجور.. العصبة الأسدية ليست في هذا الوارد! بل هي تضيف إلى ابتذالها وقاحة مشهودة، وتفترض إذا عزّ عليها المراد، أن ما يخرج من بعض الأفواه باتجاهها ليس سوى المطر ذاته! حتى إن عليمين يحكون حكايات كثيرة عن لحظات خجل وارتباك أصابت محاورين، على أرفع المستويات، إزاء نمط التوسّل الذي كان يظهره محاورهم الأسدي!
.. تعود تلك العصبة الآن لتتوسل «التنسيق» الرسمي مع الحكومة والجيش، وفي شأن أكبر معضلتين تواجهان لبنان، وكانت هي ولا تزال سببهما الرئيسي والوحيد. الأولى الخاصة بالنازحين، والثانية الخاصة بما يُسمّى «مكافحة الإرهاب».. وذلك راهن وآني من دون العودة إلى الخلف، إلى الممارسات التي طبعت عصر الوصاية بميسمها والتي شرشحت السياسة والأمن والدولة والدستور والأصول والفروع، والتي تؤكد في مجملها أنها عصبة غريبة في أدائها الخاص والعام، عن شعب سوريا المشهود له بالكرم والشجاعة والجود والتمسك بمكارم الأخلاق، والذي علّم العرب معنى العروبة، وعلّم العالم كله معنى التصميم والتضحية والجَلد والعناد على الحقّ.. والذي «ألحق الدنيا ببستان هشام».