Site icon IMLebanon

الخلافات وضيق الوقت سيُسقطان «الهوية البيومترية»

 

إقرار مجلس الوزراء أخيرًا التصويت الإلكتروني للمُغتربين و«الهوية البيومترية»، وُصف بالإنجاز المهمّ على طريق الإصلاحات التي يُنادي بها أكثر من طرف، وفي طليعتهم «التيار الوطني الحُرّ»، في الوقت الذي قال فيه رئيس الحكومة سعد الحريري «أننا إتخذنا القرار باعتماد الهوية البيومتريّة، وسننفّذه، وقادرون على تنفيذه». في المُقابل، جاء إقتراح رئيس مجلس النواب نبيه برّي المُعجّل المُكرّر بتقصير ولاية المجلس النيابي، وإجراء الإنتخابات النيابية قبل نهاية العام الحالي، والذي سلك طريقه القانوني إلى الدوائر المُختصّة في البرلمان بعد أنّ قدّمه أمين سرّ كتلة «التحرير والتنميّة» النائب أنور الخليل موقّعًا من عشرة نوّاب، ليوجّه رسالة حازمة من رئاسة المجلس برفض أيّ تمديد جديد للمجلس، في ظلّ التخوّف الكبير من جهات سياسيّة عدّة من أن تكون «الإصلاحات» الموعودة لقانون الإنتخابات، مُجرّد حجّة إضافية لتأجيل الإنتخابات النيابيّة، ولإطالة «عُمر» المجلس النيابي للمرّة الرابعة على التوالي بذريعة «التمديد التقني» الجاهزة دائمًا، وذلك إلى حين إتمام التحضيرات اللوجستيّة للإنتخابات! فما هي الترجيحات بالنسبة إلى موعد الإنتخابات وإلى مصير «البطاقة البيومتريّة»؟

أوساط سياسيّة مُطلعة لفتت إلى أنّه على الرغم من مُرور أربعة أشهر على الولاية الرابعة المُمدّدة للمجلس الحالي، الأمور لا تُبشّر بالخير، خاصة في ظلّ عدم إتخاذ أي خطوات عمليّة ملموسة تحضيرًا للإنتخابات المقبلة. وشكّكت هذه الأوساط بأنّ يكون الوقت الفاصل عن موعد الإنتخابات المُفترض في أيّار 2018، كافيًا لإنجاز الهوية البيومتريّة، لأنّه على الإدارات المعنيّة في الدولة إصدار ما مجموعه ثلاثة ملايين وثمانمئة ألف بطاقة قبل أيّار المقبل، مع التذكير أنّ وزارة الداخلية كانت تحدّثت عن صعوبات كبيرة وعن ضيق الوقت أمام إصدار «البطاقة المُمغنطة» الخاصة بالإنتخابات، علمًا أنّ العدد الذي كان مطلوبًا منها هو بحدود المليوني بطاقة إنتخابيّة تقريبًا. وسألت الأوساط نفسها: «كيف لا يُمكن إنجاز بطاقة مُغنطة خاصة بالناخبين فقط، لكن يُمكن إنجاز هويّة بيُومتريّة تخصّ كل اللبنانيّن من دون إستثناء، ضُمن الفترة الزمنيّة نفسها»؟!

وأضافت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ التحوّل من «البطاقة المُمغنطة» الخاصة بالإنتخابات إلى «بطاقة هويّة بيُومتريّة» لا يُغني عن كل التعقيدات التقنيّة والمُتطلبات التكنولوجيّة والإلكترونيّة المرافقة للبطاقتين، لجهة ضرورة تزويد كل مراكز الإقتراع حتى تلك الموجودة في أبعد قرية نائية في لبنان، بتجهيزات إلكترونية قادرة على قراءة البطاقات البيومتريّة، ووصلها بكومبيوترات مركزيّة – أقلّه في كل دائرة إنتخابيّة، لمنع الغشّ ولاحتساب الأصوات ولتحديد نتائج عمليّات الإقتراع. ورفضت الأوساط نفسها حصر كلفة «البطاقة البيومتريّة» بالعقد التلزيمي لإنتاج هذه البطاقات والذي بلغ نحو 40 مليون دولار أميركي (من أصل 186 مليون دولار ككلفة إجماليّة للإنتخابات النيابيّة)، مُشدّدة على أنّ الكلفة الإجماليّة لإعتماد هذه البطاقات ستكون أعلى بكثير، لأنّها تشمل العديد من التجهيزات الإلكترونية والأجهزة المعلوماتيّة والتطبيقات الرقميّة المرافقة، وسألت: «هل تستطيع الدولة تأمين كل هذه الأموال المطلوبة؟»، وأضافت ساخرة: «هل يُمكن أصلاً توفير الكهرباء في كل لبنان في وقت واحد طوال يوم الإنتخاب لتوفير الطاقة لعمل التجهيزات الإلكترونية التي تقرأ البطاقة البيومتريّة، أم ربما سيتم توزيع مولّدات لتوليد الطاقة على كل مراكز الإقتراع»؟!.

وأشارت الأوساط السياسيّة المُطلعة نفسها إلى أنّ إقرار «الهوية البيومتريّة» تمّ بالتراضي بعقد مع شركة «ساجيم» الفرنسيّة التي كانت قد أنتجت بطاقات الهويّة الحديثة في لبنان في العام 1997، مُستغربة أنّ العقد التلزيمي تمّ بالتراضي وليس عبر المرور بإدارة المُناقصات، في تعارض كبير مع مبدأ الشفافيّة لجهة إستدراج العروض واختيار الأفضل من بينها. وتوقّعت الأوساط أن يفتح هذا الباب سجالات في المُستقبل قد تؤخّر العمل على إنجاز البطاقات البيومتريّة. وأضافت أنّه بعد إحتساب كل من قيمة العقد وعدد البطاقات البيومتريّة المطلوب إنجازها يتبيّن أنّ كلفة كل بطاقة سيبلغ 10,52 دولارًا أميركيًا، الأمر الذي قد يدفع جهات سياسيّة إلى عرقلة إعتماد البطاقة بحجّة وجود تنفيعات مالية من خلفها، كون هذه الكلفة تفوق تلك التي سُجّلت في العديد من الدول التي لزّمت إنجاز بطاقات بيومتريّة لشعوبها.

ولفتت الأوساط السياسيّة المُطلعة من جهة أخرى إلى أنّ خلافات اللجنة المُكلّفة البحث في تطبيق قانون الإنتخاب علنيّة وعميقة، وفي طليعتها ما يتناول التسجيل المُسبق الخاص بالناخبين الراغبين بالتصويت في أماكن إقامتهم لدى وزارة الداخليّة والبلديّات. وأوضحت أنّ كلاً من «الثنائي الشيعي» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» و«الحزب السوري القومي الإجتماعي» مع التسجيل المُسبق، بهدف تطوير عمل الماكينات الإنتخابيّة وضبط العمليّة الإنتخابيّة ككل، بينما كل من «التيار الوطني الحُرّ»، و«تيار المُستقبل» و«الحزب الديمقراطي اللبناني» ليسوا مع التسجيل المُسبق بحجة أنّه يُعقّد الأمور على الناخبين بدلاً من تسهيلها، ولأنّ في هذا الأمر ترغيبًا وترهيبًا على بعض الناخبين أيضًا، وخسارة مجانية لبعض الأصوات الإنتخابيّة التي قد لا تعمد إلى تسجيل إسمها لسبب أو لآخر. وقالت إنّ «القوّات» تعتبر من جهتها أن لا حاجة للتسجيل المُسبق في حال جرى إعتماد «الهوية البيومتريّة»، ما يعني غياب التوافق على مبدأ واحد بين القوى السياسيّة الأساسيّة.

وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة أنّ الخلافات المُستمرّة بشأن التفاصيل التطبيقيّة للإنتخابات، وصُعوبة تنفيذ الخطوة المُتمثّلة بإنتاج البطاقات البيومترية للبنانيّين والشوائب التي تحوم حولها أيضًا، كلّها أسباب تدعو إلى الشكّ بأنّ بعض الجهات السياسيّة لا تريد إتمام الإنتخابات في أيّار، لأنّها إمّا غير جاهز للعمليّة الإنتخابيّة ككل بسبب مشاكل مالية أو خاصة بموضوع الترشيحات وحتى التحالفات، وإمّا خائفة من النتائج المُرتقبة لهذه الإنتخابات وفق مبدأ التصويت النسبي. وتوقّعت الأوساط نفسها أن تتمّ الإنتخابات في موعدها، بسبب وُجود قوى فاعلة عازمة على إفشال كل محاولات التأجيل بحزم كبير هذه المرّة، مُشيرة في الوقت عينه إلى أنّ تثبيت موعد الإنتخابات سيعني تلقائيًا سُقوط «الهوية البيومتريّة» بسبب الخلافات وضيق الوقت.