على أسئلة متكاملة لا نصاب لجلسة الانتخاب الرئاسية اليوم، ولا نصاب للجلسة التالية، وربما التي بعدها، طالما بقيت الحياة الدستورية اللبنانية أسيرة اللعبة الاقليمية بأصولها الدولية المتشعبة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري انضم الى فريق المنادين بنزول المرشحين الثلاثة الى المجلس ولينجح مَن ينجح، ولكن طاقة الآخرين على التعطيل كانت أقوى وأشد، بحكم ارتباطهم بأصل الأسباب المانعة، والمتسلحة بالاعتبارات والمصالح، التي تبرر هدر حاضر وطن ومستقبله، لأهداف سرابية…
الرئيس بري حاول الخروج من هذه الدوامة، بطرحه أفكاراً اعتقد أن بوسعها تأمين نصاب الستة وثمانين نائباً، لكن حلفاءه في الثامن من آذار، تخوفوا من مفاجآت غير محسوبة، قد تجعل من النائب سليمان فرنجيه رئيساً، بطرفة عين، وكان التمديد للفراغ هو البديل الطبيعي.
وفيما النائب سليمان فرنجيه يعتصم بحبل الصمت ويحظر على المناصرين الدخول في مهاترات مع ذوي القربى، كان العماد ميشال عون يملأ السلة المتكاملة التي تحدث عنها السيد حسن نصرالله بالاجابة على أسئلته المباشرة أو الضمنية، بالجملة حيناً وبالمفرق أحياناً، بحيث لا تستوقف غير سائلها المنتظر للجواب…
ومن الاجابات الضمنية اللافتة احياء القناة البرتقالية لشعار وحدة المسار والمصير، الذي ذهب مع رياح الانسحاب السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، بقولها في مقدمة نشرتها المسائية ليوم الخميس الماضي، ان هذه الوحدة تأكدت الآن بين البلدين بالمفهوم الذي يعني حصراً أن ما يحدث في سوريا أو بالشأن السوري، ينعكس فوراً على لبنان.
ثم جاء الجواب من العماد عون شخصياً، على السؤال القائم منذ العام ٢٠٠٠ حول مصير سلاح حزب الله بعد تحرير الجنوب، ضمن ما كان يعرف بالاستراتيجية الدفاعية، حيث أفتى، بمناسبة الذكرى العاشرة لتوقيع التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر، بأن بناء الدولة يؤدي الى وضع استراتيجية دفاعية، وان الحل يكون بإدخال المقاومة في الجيش، لأن هناك حرباً على لبنان، وحزب الله يُشكر على دفاعه عنه. ومن دون أن يتطرق الى الكيفية، بالضم أم بالفرز؟..
وهذه الاجابات برسم حلفاء العماد عون، وفي الوقت ذاته خصومه، وهي الأساس في سلّة الأسئلة التي يطرحها الحزب على رواد رئاسة الجمهورية، ليجيبوا عليها أمام اللجنة الفاحصة قبل السماح باكتمال النصاب في مجلس النواب.
واللافت أكثر، هو غياب المرشحين الرئيسيين عن جلسة الانتخاب، ما جعل النائب الكتائبي ايلي ماروني يتساءل ما اذا كنّا أمام مرشحين وهميين…
واللافت أكثر وأكثر ان جلسة اليوم تشكّل اختباراً واضحاً لجدوى تفاهم معراب بين التيار والقوات، فهذه أول جلسة نيابية انتخابية تعقد في ظلّ هذا التفاهم، واذا لم يفضِ هذا التفاهم الى تسريع انتخاب رئيس، فذلك لا يخدم مبرراته أبداً.
عملياً، واستناداً الى المعطيات الاقليمية الحاكمة للوضع في لبنان، فان أمام الفراغ الرئاسي عمرا مديدا، والأفق اللبناني باقٍ على ما هو عليه من التآكل والاهتراء على مختلف المستويات التشريعية والحكومية وحتى الادارية، لقد الهب الفساد السياسي مفاصل الوزارات والادارات، وشوّه هيبة الدولة، وعفّن صورتها، حيث بات لكل جماعة أو مجموعة شرائع وشروط، أفسدت الأمور وعمّمت النفايات وأخرجت أفاعي الفتن الطائفية والمذهبية من جحورها، وتالياً حوّلت لبنان من وطن رسالة، الى وطن طوائف ومافيات سياسة ومخدرات متنافسة على الحصص والمغانم، ومتصالحة على حساب الدستور والقوانين والصالح العام.
يعتقد رجال الدولة انهم ملك الأمة، ويعتقد رجال السياسة ان الأمة ملك لهم، وما أكثر السياسيين عندنا… –