على رغم تفهم دول غربية دوافع المملكة العربية السعودية للاجراءات الاخيرة التي اتخذتها ازاء لبنان وتحفظاتها عن اداء سياسي او حتى امني ربما، فانها لا توافقها كليا على الاقتناع بان “حزب الله” يسيطر على الدولة اللبنانية وقرارها من دون ان يعني ذلك عدم الاقرار بأن الحزب يسعى الى الهيمنة على القرار السياسي اللبناني او يستفيد منه لمصالحه. فمن حيث شاءت المملكة ام لم تشأ فهي تساهم في تثبيت الحملة الدعائية التي ذهبت اليها ايران في محاولة الايحاء بسيطرتها على اربع عواصم عربية من بينها بيروت، علما ان في العواصم الاربع نفوذا لايران عبر توظيفها او استثمارها في تنظيمات وطوائف محلية لكن الواقع ان لا سيطرة لها على القرارات بمقدارالانطباعات السائدة. والنموذج الابسط في لبنان على الاقل ان الحزب يتمسك بمرشح لرئاسة الجمهورية هو رئيس لاكبر كتلة نيابية مسيحية ولم يستطع فرض انتخابه ولن يستطيع ليس لعدم قدرة بل لاعتبارات تقضي بوجوب انتخاب رئيس قادر على تغطية الحزب بناء على دعم كل الافرقاء اللبنانيين له، وهذا الامر لا يحصل لئلا تنفجر الامور في وجهه في حال اعتمد اسلوبا قسريا كما في ضوء الحاجة الى رئيس يفرج لبنان عبر علاقات انفتاح مع محيطه ولا يزيد عزلته. وتجربة الحكومة التي اتى بها الحزب بعد 2011 وتألفت من قوى 8 آذار وحدها لم تكن ناجحة، فاضطر الى العودة الى منطق التوافق مع الاكثرية السنية والحصول على تغطيتها لمسائل عدة في البلد. وتعتقد المصادر الديبلوماسية صاحبة هذا المنطق بان الحزب يستمرفي المساهمة في تعطيل الانتخابات الرئاسية لكن المسألة باتت تنعكس على المرشحين من ضمن فريقه وقد بات كل منهما محشورا في مواقف اقليمية قد تطيح اي امكان لانتخاب اي منهما متى تصاعدت الازمة مع الدول الخليجية الى حد الاختيار بين الدفاع عنه كتنظيم غير ارهابي وفق ما تم تصنيفه خليجيا وبين الدفاع عن المصالح الاستراتيجية للبنان واللبنانيين مع الدول العربية.
لكن المصادر تقر بأن الاجراءات السعودية قد تحشر الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة في مكان ما، اذ ان واشنطن وتحديدا الكونغرس الاميركي كان يتحفظ عن اعطاء مساعدات او اسلحة معينة للجيش اللبناني من ضمن تحفظاته او مخاوفه ان يذهب هذا السلاح الى الحزب في محطات مصيرية معينة. ولم تتراجع هذه التحفظات كليا وإن بدا ان التهديدات الارهابية التي تعرض لها لبنان منذ ما بعد انطلاق الحرب السورية قد سمحت بتجاوز الكثير منها لكنها لا تزال قائمة. ومن الصعب الا تترك المواقف السعودية او الخليجية عموما اثرها على الكونغرس الاميركي باعتبارها ذريعة يمكن ان يثيرها الجمهوريون الاميركيون ازاء المساعدات التي تقدم للجيش اللبناني. وتاليا قد يتعين على الولايات المتحدة اذا شاءت حماية لبنان من الارهاب او عدم الاستقرار المطالبة بضمانات اكبر حول السلاح للجيش او عدم خضوع القرار اللبناني لارادة الحزب وهو الامر الذي يصب في خانة استعادة استقلالية القرار اللبناني خصوصا اذا اعتمدت واشنطن على الهبة التي قدمتها المملكة للجيش لترفع عن كاهلها تبعة اعطاء اسلحة للجيش لا يمكنها تقديمها له لاعتبارات تتصل باسرائيل ايضا. الكرة تقع ايضا في ملعب فرنسا التي على غرار سائر الدول التي تطلب ضمانات من اجل الا يقع استخدام اسلحتها بايدي اطراف ثالثة للمساعدة في المساهمة في استقلالية القرار اللبناني. وهذه الضمانات ربما تصب في مصلحة انتخاب رئيس جمهورية يوحي بالثقة ويقدم هذه الضمانات عبر شخصه وادائه. والاستنفار الغربي الاميركي الفرنسي في هذا الاطار اي على ضوء الاجراءات الخليجية ربما يدفع لبذل بعض الجهود من اجل الضغط في هذا الاتجاه. ولعل الزيارة التي سيقوم بها الامين العام للامم المتحدة بان كي مون مع رئيس البنك الدولي لبيروت الى جانب تردد معلومات عن زيارة مسؤول في الخارجية الاميركية تندرجان في اعادة تسليط الضوء على اهتمام بوضع لبناني غاب طويلا ولا يزال عن اهتمامات الخارج باستثناء موضوع اللاجئين السوريين. ولذلك قد يكون رأب الصدع مع الدول الخليجية صعبا جدا في ظل الحكومة الحالية وفقا لهذه المصادر، علما ان تفككها وضعفها لا يساعدان في الايحاء بالطمأنينة على رغم ان تسوية العلاقات مع الدول الخليجية ملحة وضرورية جدا كما لا امكان للاستغناء عن هذه الحكومة راهنا في ظل استمرار الشغور في موقع الرئاسة الاولى. فثمة تقدير كبير للصبر الذي يبديه الرئيس تمّام سلام ومحاولة للاستفادة من الزخم الذي اعطاه الرئيس سعد الحريري للوضع الداخلي في موضوع الرئاسة على قاعدة انه ومع الاخذ في الاعتبار ما يواجهه لبنان على صعد عدة فانه يتم التركيز على امرين مهمين : الاول ان لبنان ربما يتجه خصوصا بعد الاجراءات الخليجية الى وضع يزداد صعوبة خصوصا انه بلد يستمر في الانفاق من دون القدرة على تمويل انفاقه وفق ما باتت تسجل الدول الغربية. والامر الاخر متصل بواقع ان عجزه عن اتخاذ القرارات لتسيير شؤون الدولة على كل المستويات قد يفوت عليه فرصة مواكبة اعادة تأهيل سوريا في المرحلة اللاحقة.