تبلّغت كتلة «المُستقبل» رسمياً أمس من الرئيس سعد الحريري قراره ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، لتبدأ عملية إحصاء الأصوات مع إصرار عدد من النواب المستقبليين على عدم الإلتزام بهذا القرار. لا يعني ذلك أن أصوات المعترضين ستصبّ لمصلحة الوزير سليمان فرنجية. الحد الأقصى المسموح به للتعبير هو ورقة بيضاء لا تهدّد مصير التسوية، وإلا فإن غير ذلك يعد إنقلاباً يدفع ثمنه المعارضون نيابياً في وقت لاحق
لا أحد يستطيع الجزم بنوع التحولّات التي ستُصيب كتلة «المستقبل» النيابية، بعد أن يعلن الرئيس سعد الحريري دعم ترشيح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وإن كان الترشيح الرسمي لا يعني في الضرورة وصولاً سهلاً لعون إلى قصر بعبدا.
حتى الآن، لا يستعجل رئيس تيار المستقبل كشف أوراقه، سواء تلك الخاصة بالتفاهم مع التيار الوطني الحر، أو تلك المتعلّقة بالبحث الجدّي مع باقي الأفرقاء، وفي مقدّمتهم الرئيس نبيه برّي. انتظر الرجل كي ينتهي من مهمّة عسيرة ارتبطت بإقناع كتلته النيابية بهذا القرار وتسويغه تفادياً من نقمة هو بالغنى عنها، وهكذا حصل بعد إختمار اتصالاته ومشاوراته في الداخل والخارج. أمس تبلغّت الكتلة رسمياً، خلال إجتماعها الدوري، من الرئيس الحريري قراره، مؤكداً أنه سيعلن ترشيح عون في غضون أيام. داخل الكتلة، وبحسب ما قالت مصادر مستقبلية «مهّد الحريري بهدوء لمبادرته، محاولاً قدر المستطاع إمتصاص أي ردّ فعل معترض». تحدث بشكل مسهب مؤكداً أن هذا «القرار يصب في صالح تيار المستقبل»، وأن «الهدف الأول منه هو انهاء حالة الشغور الرئاسي»، قائلاً «لم يعد أمامي خيار غير العماد عون، وهناك أسباب كثيرة تدفعني إلى انتخابه (من دون أن يذكرها)»، مشيراً إلى أنه «سيجتمع مع كل نائب على حدة لشرح هذه الأسباب». وكان لافتاً أن الحريري «لم يتطرق إلى مواقف السعودية ولا الرئيس بري ولا النائب وليد جنبلاط»، بل وضع الكتلة فقط في «حصيلة المشاورات التي قادها داخلياً وخارجياً، والضمانات الدولية التي سمعها من أكثر من جهة». وانتقل إلى مرحلة ما بعد الإنتخاب، موحياً وكأنه متخوف من حصول صعوبات أمام تكليفه رئيساً للحكومة، مشيراً الى «أنني لن أوفر جهداً وسأكثف لقاءاتي مع كل الأطراف لتذليل العراقيل أمام تأليف حكومة».
ما هو معروف، أن نواباً مستقبليين، لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة، لا يزالون يعارضون خيار الحريري مهما كانت أسبابه الموجبة، يتقدّمهم رئيس الكتلة النائب فؤاد السنيورة. والأخير، بحسب مصادر مستقبلية، أبلغ الحريري أنه «لن يكون إلى جانبه، وأن عليه تفهّم الأمر». وداخل الكتلة عبّر كل من السنيورة والنواب أحمد فتفت وسمير الجسر ونبيل دوفريج عن موقفهم بشكل سريع معتبرين أن هذا القرار «خيار غير سليم». هؤلاء متمسّكون، أكثر من أي وقتٍ، مضى برفض خيار دعم ترئيس عون، تقابلهم أغلبية ترفض التخلّي عن الحريري لاقتناعها بأن خيار عون، رغم أثمانه المكلفة، يبقى المخرج الوحيد من عنق الزجاجة الذي علق فيه الجميع. فعلياً، المستقبليون اليوم ثلاث فئات: واحدة تدعم الحريري وتشجّعه، وثانية تسير معه رغم أن ذلك يعاكس توجهاتها، وثالثة ترفض خياره رفضاً قاطعاً، ما يطرح السؤال حول عدد النقاط التي سيحوزها المرشحان الرئيسيان، عون والوزير سليمان فرنجية، من السّلة الحريرية؟
من لم يجده الحريري في لحظة ضعفه فلن يحتاج إليه وهو في موقع قوّة
مصادر مستقبلية تقرّ بهذا الإنقسام، لكنها تؤكّد أن «الأصوات التي سيخسرها عون من كتلة الحريري لن يربحها، بالتأكيد، فرنجية». فالمعارضون «سيحتفظون بموقفهم من خلال الإقتراع بورقة بيضاء، لا ورقة تحمل إسم بيك بنشعي». الأسباب كثيرة، أهمها أن «الرئيس الحريري يُمكن أن يمنح أصحاب النبرة المرتفعة ضد عون أسباباً تخفيفية، وخصوصاً أن ترشيح الجنرال ليس مستساغاً لدى جمهور المستقبل»، وبالتالي سيُسمح للبعض بـ «حفظ ماء وجهه وصدقيته»، ولكن «حتى لهذا الأمر خطوط حمر غير مسموح بتجاوزها».
بحسب مقرّبين من الحريري، فإنه لن يرضى بأن يهدّد عدد بسيط من نوابه حظوظ عون، ويرى أن «التصويت لفرنجية سيكون إنقلاباً على خياره، ومغامرة كبيرة تنسف كل ما يخطط له ويسعى اليه من خلال هذه التسوية». ويوضح هؤلاء أن «رئيس تيار المستقبل يمر بمرحلة دقيقة وصعبة جدا، وهو في حاجة إلى شركاء حقيقيين يحملون معه تداعيات هذا القرار التاريخي. ومن لا يقف معه في لحظة ضعفه، فلن يحتاج لوجوده بعد أن يعود إلى السلطة ويصبح في موقع قوة».
تنفي المصادر أن يكون هذا تهديداً، لكنها ترى أن «على الجميع تفهّم الأسباب الموجبة التي تدفع بالحريري إلى اعتماد هذا الخيار الذي يكاد يكون السبيل الوحيد، ليس لتحسين وضعه المالي، وإنما لإعادة الإعتبار لدوره السياسي، ونجاحه سيمثّل رافعة ليس فقط للحريري، بل للكتلة والتيار ككلّ». يقرّ المستقبليون بأن «أسهل الطرق عدم ترشيح جنرال الرابية، وأصعبها وأكثرها تعقيداً دعمه»، مع ذلك على الجميع أن «يقف خلف الحريري لأن ترشيح عون يبقى أبغض الحلال في المعادلة الرئاسية الحالية». فالترشيح يمكن أن «يقود الحريري إلى رئاسة الحكومة»، أما عدم وصول عون، فيعني حتماً «بقاء الوضع على ما هو عليه في تيار المستقبل، لا بل يمكن أن تتطور الأمور نحو الأسوأ».
وعن فرضية تزعزع العلاقة بين الحريري والمجموعة المعارضة، وإمكان أن ينتج عن هذه المعارضة خروج حالات كأشرف ريفي تؤدي إلى إنقسام الكتلة، تعود مصادر في تيار المستقبل بالذاكرة إلى ما قبل عام 2005، حين انقسم البرلمان حول التمديد للرئيس إميل لحود. آنذاك خرج نائبان من كتلة المستقبل، هما غطاس خوري وأحمد فتفت، عن طاعة الرئيس رفيق الحريري وصوّتا ضد التمديد، ومرّت معارضتهما من دون خسائر تذكر. قد يقول البعض إلرئيس الحريري لم يكن في وارد معاقبة أحد من كتلته، وخصوصاً أنه هو نفسه ذهب إلى خيار التمديد مجبراً، لكن الظروف اختلفت. السلبيون في التيار يعتقدون بأن «ثمّة ثمناً سيدفعه المعارضون انتخابياً في ما بعد، بحيث لن يجد أحد منهم مكاناً على لوائح التيار في أي منطقة». غير أن آخرين يرجحون بأن «الإختلاف لن تكون له نتائج سوى خسارة الجنرال عون لثلاثة أو اربعة أصوات مستقبلية لا أكثر». وبالتأكيد «لن يشهد التيار حالات انشقاق ولا حالات ريفية جديدة، ولا انهيارات على مستوى الكتلة»، إذ «كثيراً ما اختلف النواب مع الحريري في محطات لن يكون آخرها ترشيح عون للرئاسة»، كما أن «الجناح المعارض لهذا الخيار لا يقوده مغامرون كالوزير ريفي، وبالتالي من غير المجدي أن يُعطى أبعادًا أكثر مما يحتمل».