الى جانب كل الصعوبات التي تواجه الوضع الاقتصادي، لا بد من تسليط الضوء في هذه المرحلة على المخاطر التي تطل برأسها من دول الخليج العربي، الحديقة الخلفية للاقتصاد اللبناني، حيث تبدو الظروف المالية للحكومات في مرحلة دقيقة، تحتّم اعادة النظر في الحسابات، وأخذ الحيطة لأن الايام الصعبة قد تكون على الأبواب.
وضعت المملكة العربية السعودية حداً لحقبة تكديس الفوائض المالية السنوية، وتحويلها الى الاحتياطي الذي يتمّ استثماره في قطاعات آمنة تساهم في نموه ليشكّل ضمانة اضافية لواحدٍ من أغنى الاقتصاديات العالمية، وانضمت هذا العام الى لائحة الدول التي تعاني موازناتها من عجز قررت معالجته بالاقتراض.
وقد أصدرت الحكومة السعودية حتى الان شريحتين من سندات الدين الحكومية، قيمتها الاجمالية حوالي 9.5 مليار دولار. هذا المبلغ يعتبر زهيدا بالنسبة الى اقتصاد تبلغ موازنته للعام 2015 حوالي 240 مليار دولار. لكن الأمر لا يتوقف على هذين الاصدارين، اذ تمّ سحب حوالي 67 مليار دولار من صندوق الاحتياطي فانخفضت محتوياته الى حوالي 359 مليار دولار.
وبالتالي، يكون مجموع المبالغ الاضافية التي احتاجتها المملكة حتى الان لتغطية الانفاق بلغت حوالي 76.5 مليار دولار. ومن غير المؤكد كم سيبلغ العجز الذي ستتم تغطيته خلال العام المالي 2015.
هذه التطورات، ولئلا يُساء تفسير تداعياتها، لا تؤثر في المطلق على قوة الاقتصاد السعودي الذي تبلغ ايراداته السنوية حوالي 195 مليار دولار. كذلك، ومع احتساب القروض التي حصلت عليها المملكة في العام 2015، فان الدين العام السعودي بات يعادل حالياً نحو 2.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للعام الماضي، مقارنة بـ 1.6 في المئة خلال العام 2014، و2.2 العام 2013، و3.6 في المئة العام 2012. هذه الأرقام تُظهر ان نسبة الدين العام السعودي إلى الناتج المحلي، لا يزال من الأقل عالميا. (نسبة الدين اللبناني هي حوالي 168% من الناتج).
كذلك تنبغي الاشارة الى أن إصدار سندات الدين السعودية قد تكون له انعكاسات ايجابية على ربحية المصارف السعودية التي كانت تعاني من تخمة في الفوائض المالية تضطر الى ايداعها لدى مؤسسة النقد أو تستخدمها في الإقراض بين البنوك، بفوائد منخفضة جدا. وسوف تستفيد المصارف من السندات الحكومية للاكتتاب فيها وتقاضي اسعار فوائد افضل تصل الى 265 نقطة اساس للسندات الطويلة الأجل (10 سنوات).
هذا التحوّل الذي لا يؤثر بطبيعة الحال على الاقتصاد السعودي بشكل عام، يشكّل صدمة معنوية سلبية، تستدعي اعادة الحسابات بالنسبة الى الايام المقبلة.
فما بدأته الحكومة السعودية من غير الواضح كيف سيستمر في المستقبل. وما ينطبق على المملكة يسري على بقية دول الخليج العربي. وبالتالي، فان الاقتصاد اللبناني الذي يعتبر بمثابة امتداد للاقتصاد الخليجي بالنظر الى التداخل على مستوى الاسواق، والمساعدات، والقوى اللبنانية العاملة في الخليج، سوف يتأثر سلبا باستمرار تراجع اسعار النفط، واستمرار الاضطرابات الاقليمية التي تزيد في كلفة الانفاق الخليجي لمواجهة تداعياتها.
هذه الانعكاسات سبق أن اشار اليها رئيس جمعية المصارف اللبنانية جوزف طربيه، عندما توقّع أن يهبط النمو الفعلي للناتج المحلي الاجمالي في المنطقة العربية إلى 2.4% في العام 2015 من معدل وصل إلى 7.7% في العام 2012 في ظل انخفاض حاد لأسعار النفط ، بما يعني مواجهة صعوبة في خلق فرص عمل جديدة على المدى القصير.
هذا الوضع الاقليمي الضاغط على لبنان، لم يدفع القوى السياسية بعد،الى التوافق على وضع حد للفلتان المالي الناتج عن غياب الموازنات منذ العام 2006. وبالأمس، حوّل وزير المالية علي حسن خليل مشروع موازنة العام 2016 الى مجلس الوزراء.
لكن من المعروف ان هذا المشروع سوف يلقى المصير نفسه الذي لقيته مشاريع الموازنات السابقة التي حُولت الى الحكومات المتعاقبة بلا نتيجة، بسبب المزايدات و»الصبيانيات» السياسية.
والى جانب ان إقرار الموازنة صار ضرورة مُلحة في الوضع الحالي، لا بد من إعادة النظر في مضمون الموازنات، لأن العجز بلغ ارقاما قياسية، وسوف يتجاوز الـ5 مليار دولار في العام 2015.
في النتيجة، الاستمرار في هذا الترف لا يمكن ان يتواصل في ظل التراجع الذي قد نشهده في المرحلة المقبلة في التحويلات القادمة من الدول النفطية، والتي تشكل العامود الفقري لصمود الاقتصاد اللبناني.