قتلُ الطيار الأردني حرقاً بيد «داعش» يجعل مهمة المدافعين عن الإسلام أكثر صعوبة. تماماً مثلما فعل نحر الرهائن الأجانب في سورية والعراق، والاعتداء على «شارلي إيبدو» في باريس. فالرأي العام الدولي صار مثخناً بتراكم أشكال القتل الوحشية التي تكاد تنحصر هذه الأيام بمنتحلي صفة تمثيل المسلمين ومدّعي النطق باسمهم وإحياء دولة خلافتهم. حتى أن البعض في الغرب بدأ حملة للتشهير بما سماه «تراث القتل والتعذيب لدى المسلمين» معتبراً أن ما نشهده اليوم من تنكيل بالمخطوفين والأسرى والمدنيين ليس سوى امتداد لتاريخ طويل من أعمال التعسف والترويع لديهم، وخصوصاً العرب.
ومع أن العنف والقتل والانتقام والتعذيب صفات لازمت وتلازم على امتداد التاريخ الشعوب والأديان والتجمعات الأهلية كافة، من أقاصي الكون إلى أقاصيه، إلا أن سوء حظ المسلمين والعرب أن دورهم جاء وسط هذه الثورة التقنية الهائلة في وسائل الإعلام ووسائط النشر، يضاف إليها قصور لديهم في الفكر والذرائع والوسائل عن تقديم صورة مختلفة عن أنفسهم، في عالم يكاد يؤمن فقط بما يراه على الشاشات، الكبيرة والصغيرة، ويتقبل بسهولة الأفكار الجاهزة الموجهة من بُعد.
ويبرع «الداعشيون» في استغلال هذا التقدم التقني. ولأنهم يدركون أن الصورة أقوى وأسرع تأثيراً من الكلمة، وأسبق منها إلى عيون المتلقين وعقولهم، يستخدمون الأشرطة المصورة لعرض جريمتهم على العالم، بهدف ترويعه وإرهابه، وترسيخ عدائه لكل ما يمت إلى الإسلام بصلة من دون تدقيق أو تمييز في هوية المرتكب وأهدافه، فتعميق الشرخ بين الأديان والمجتمعات هو ما يصبون إليه في النهاية، وليست لديهم وسيلة أفضل من الوحشية القصوى المعممة.
وفي المقابل، تقف الدول الإسلامية المنشغلة بمبارزاتها المذهبية المفتعلة في معظمها، عاجزة عن مواجهة المد «الداعشي»، أو حتى عن الاتفاق فعلياً على ذلك، فالتنظيمات المتطرفة آخذة في التوسع والتشعب على رغم «الانتصارات» المتفرقة التي تشكلها الحملات الأمنية المستمرة، وغارات التحالف الدولي، واسترجاع كوباني وبعض أجزاء العراق، وقتل بعض قياديي التنظيم، ذلك أن خطر التشدد لا يكمن في الأجساد، بل في العقول، ويحتاج إلى مقاومة ومقاربة من نوع خاص، تبدأ بالمناهج المدرسية وتنتهي بحملات اجتماعية وإعلامية واسعة وذكية، تتوجه إلى المواطن في الداخل أولاً، ثم الى الرأي العام في الخارج، لأن ردود الفعل المذعورة في الغرب تقنع المزيد من الشبان المسلمين بأن معركة التطرف «محقة».
ويجب الاعتراف بشجاعة بأن حملات التوعية من خطر التشدد، على رغم ما يبذل فيها من جهد وما يخصص لها من إمكانات، عجزت حتى الآن عن تحقيق هدفها، لأنها لم تعرف كيف تخاطب الشبان وتقنعهم بالبدائل، نتيجة الهوة الفكرية الواسعة بين الأجيال، ولأن تكليف شيوخ الدين ومسؤولي الأمن بها يجعلهم يبدون وكأنهم يدافعون عن «وظائفهم»، بينما المجتمع المدني المسلم والمسالم هو ما يفترض أن يشكل البديل من التطرف، وأن توكل إليه مهمة الدفاع عن نفسه وابتكار أساليب هذه المواجهة ووسائلها.
ولعل الهدف الأول الذي يفترض التركيز عليه، إقناع المسلمين بأن دينهم لا يحتضر، مثلما يعتقد المتطرفون الذين يطرحون أنفسهم «خط الدفاع الأخير» عنه، وإثبات أن الإسلام قادر على استيعاب وهضم هذا التطور الهائل المستجد في المجالات كافة، من دون أن يفقد خاصيته الدينية والثقافية والإنسانية ودوره في المجتمع، وأنه من القوة بحيث يمكنه التعامل مع العوالم الخارجية بكل ثقة واقتدار، ولعل ذلك يبدأ بتغيير طريقة التعاطي مع الأقليات في العالم العربي، دينية كانت أو إتنية، وجعل حقوقها في صميم القوانين وليس منّة تنتظر «فتوى» من هنا أو هناك.