أسبوع كامل من التشويق على وقع المفاوضات الأميركية الإيرانية. يتم الاتفاق أو لا يتم، هذه هي المسألة. رغم أن الفشل وعدم التوقيع، لن يكون النهاية، فإن وقعه سيكون ضخماً، تماماً وبالعكس إذا تم الاتفاق. سيكون أمام واشنطن وطهران مئة يوم أخرى من التفاوض، لكن الفرق شاسع بين أن يكون ذلك، وأرجلهما في مياه باردة، أو الرقص فوق صفيح ساخن.
توجد أطراف عديدة لا تريد الاتفاق نهائياً، لأنها تنتظر حصتها من نتائجه.
[ «المحافظون المتشددون« في العاصمتين مع الاختلاف في التسمية لا يريدون الاتفاق، لأنهم إن لم يخسروا فإنهم لن يربحوا. المشكلة أن واشنطن وطهران تقفان على حافة استحقاقات تشريعية وسياسية، ستتشكل على وقع الاتفاق أو فشله. واشنطن على موعد مع انتخابات رئاسية قادمة. طهران على موعد مع انتخابات لمجلسي الشورى والخبراء تحت عباءة المرشد آية الله علي خامنئي المريض جداً. تأجيل التوقيع والاستمرار في المفاوضات يسمح للطرفين الداخليين تسجيل النقاط في خانتهما مما يقوّيهما داخلياً ويترك الحلول معلقة على مفاوضات لاحقة في ظل غياب المعتدلين.
[ المفاوضات استمرت في إطار مجموعة خمسة +1 حتى وصل «قطارها« الى جنيف، فتحولت كلياً الى مفاوضات أميركية إيرانية ناجحة كانت مقدماتها في عُمان، التي ظهرت فيها جسور من الثقة المتبادلة، وتوافقات واضحة على نقاط أساسية جعلت التوقيع النهائي متوقفا على تقديم واشنطن التطمينات وحتى الضمانات النهائية للقوى الأخرى أي العرب وتركيا وإسرائيل.
مهما بالغ الطرفان الأميركي والإيراني بأن المفاوضات مقتصرة على الملف النووي، فإن ذلك لا يروي ظمآن يعرف الواقع ويختبره يومياً. تتحكم لندن وباريس، بالمنطقة منذ سايكس بيكو منذ قرن كامل من الزمن. أمام احتمال اتفاق إيراني أميركي يُعيد رسم المنطقة لا يمكن للندن وباريس الوقوف مكتوفتي الأيدي تمهيداً لخروجهما نهائياً منها.
باريس يمكنها تعطيل رفع العقوبات في مجلس الأمن باستخدامها الفيتو. حتى قبل أن تصل الأمور الى هذه الحدة، أبرزت باريس ومعها لندن «خفة» تصريح جون كيري عن الأسد وبقاءه فكانت النتيجة تراجع أميركي سريع.
يعرف الإيرانيون، أن الرئيس الأميركي المنتخب يمكنه دستورياً إلغاء أي اتفاق وقّعه الرئيس السابق لم يكن الكونغرس موافقاً عليه، يقول الخبراء إن هذا الاستثناء لم يحصل مرة واحدة في تاريخ الرئاسة الأميركية، ولكن كل شيء ممكن، لذلك تريد طهران التوقيع على اتفاق مضمون لا يُعيد المفاوضات من حيث بدأت، لأن لا أحد يضمن استمرار موازين القوى كما هي اليوم لصالحها في المنطقة.
الاتفاق إن وقع، ينهي حقبة لتبدأ حقبة جديدة. لن تكون إيران بعد الاتفاق النهائي إيران كما هي اليوم. ستحاول إيران تثبيت مواقعها حيث يمكنها، خصوصاً وأن تكلفة التثبيت ستكون أخف بكثير من تكلفة الاختراق والقضم والهضم. لا شك أن العقدة الصعبة جداً ستبقى سوريا، حيث لن تنتهي الحرب في الأفق المنظور. من البداية بدت الحرب في سوريا بعد أن تعسكرت وتحولت الى حروب داخلية واقليمية، أنها طويلة جداً.
لا يوجد طرف داخلي خصوصاً بعد أن فرض «داعش» و»النصرة» وجودهما بالقوة والعنف الأسود. لا يبدو أن أي طرف خارجي مستعد للانسحاب مهما بلغت خسائر السوريين.
لبنان، منذ البداية وضع تحت «مظلة» اقليمية ودولية تقيه انهيار السلم الأهلي البارد فيه، لذلك يكفيه التوقيع على الاتفاق بين واشنطن وطهران، حتى يعبر «جسر» الثقة المرتفع والجديد ويدخل مرحلة الابتعاد عن خط النار.
أسبوع صعب. لا شك في ذلك. يجب التوقف عن الحسابات الخاطئة. الاتفاق الأميركي الإيراني لا يعني أبداً ترك المنطقة مفتوحة على مصراعيها أمام «الشهية» الإيرانية. توجد قوى إقليمية ودولية لا ولن تقبل إلغاء موقعها وحقوقها. المهم كيف سيتعامل اللبنانيون مع هذا التحول الذي يخرجهم من الفراغ وكيف سيعمل العرب على استثمار هذا الواقع بواقعية شديدة وحقيقية.