لم يكن مستغرباً الحذر الشديد الذي اتسمت به تعليقات رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس النيابي والحكومة على بيان «وزارة مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية» حول شمول العقوبات المشددة ثلاث شخصيات بارزة من حزب الله (رئيس كتلة الحزب النيابية النائب محمد رعد والنائب أمين شري والقيادي الأمني وفيق صفا). فالرؤساء الثلاثة الذين سجلوا اعتراضهم على مضمون البيان/ القرار بدوا مقتنعين ضمناً بتعذر رفض العقوبات عملياً، أو أقله بصعوبة رفضها القصوى.
قيل الكثير أمس، في هذا الموضوع الذي يضيف مادة مشتعلة إضافية الى حريق الوضع الداخلي المتأزم خلافات، وأوضاعاً اقتصادية دقيقة، ونزاعاً حاداً حول المجلس العدلي في قضية حادثة الجبل، وجموداً منهكاً في عمل الحكومة التي تنتظرها استحقاقات كبيرة.
العقوبات الأخيرة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على حزب الله. إلا أنها تمتاز عن غيرها بأنها تدق أبواب مجلس النواب للمرة الأولى. فالنائبان محمد رعد وأمين شري قياديان في الحزب ولكنهما بعيدان عن الجناح العسكري فيه. ما يعني أن واشنطن التي سبق أن أعلنت أنها أسقطت التمييز بين أجنحة عسكرية وأجنحة أمنية وثالثة اجتماعية… قد وضعت موقفها هذا موضع التنفيذ العملي المباشر ما يزيد من الإرباك على الساحة اللبنانية. وأعلن وزير الخارجية الأميركي بومبيو أمس أن هذا التمييز «مصطنع تماماً».
فكيف سيتعامل لبنان مع هذا التطور الدراماتيكي المباغت!
كما قدمنا أعلاه بادر الرؤساء الثلاثة الى تسجيل تحفظهم عن القرار الجديد، وكان الرئيس الحريري أكثرهم وضوحاً عندما قال إن القرار لن يؤثر على عمل الحكومة ولا على عمل مجلس النواب.
ولكن… كيف ستكون الحال عملياً؟!
هل تصعّد واشنطن قراراتها فتطالب لبنان بــ»طرد» نائبين من المجلس النيابي. والسؤال الذي يبدو فجّاً وفظّاَ جداً قد يصبح حقيقة ملموسة في المستقبل غير البعيد. إلا أن النائبين رعد وشري منتخبان من الشعب وبأكثرية كبيرة… فمن يملك حق إسقاط نيابتهما؟! إن هذا سيبدو مستحيلاً قدر ما يكون طلب إنهاء نيابة الرجلين (الذي تومئ إليه جهات غربية) طلباً هدفه واحد لا غير وهو ضرب استقرار لبنان.
ثم هل تخالف وزارة المالية اللبنانية قرار رفض العقوبات على رعد وشري عندما تصرف لهما مستحقاتهما القانونية.
وهل صرف المبلغ بالليرة اللبنانية لا يخضع للعقوبات؟!
إنها أسئلة تبدو بسيطة وربما اعتبرها البعض خارجة على السياق، ولكن في عهد دونالد ترامب يبدو كل غريبٍ وهجين قابلاً للتطبيق.
هذه مرحلة لبنانية صعبة جداً… ما إذ يُقفل باب في وجه ريح داخلية حتى تهب رياح خارجية، بينما لبنان في غرفة عناية فائقة ممنوع أن ينتقل منها إن لم يكن الى العافية الكاملة فحتى الى النقاهة. ليت المسؤولين عن شؤون البلاد والعباد يضعون الخلافات وراءهم (يا سيدي ضعوها في البراد موقتاً) ريثما نتجاوز هذه المرحلة التي تلفح رياحها الحارة المنطقة برمتها وليس وطننا وحده.