IMLebanon

ويحدِّثونك عن الكرامة… والوطنية  

مرض الاستيزار ليس جديداً في لبنان… فمنذ ما قبل الأحداث كان القوم يلازمون بيوتهم أو مكاتبهم، لا شغفاً بالزوجات المصونات، ولا حباً للعمل والإنتاج، إنّما لأنّ الهاتف كان ثابتاً وحسب، وبالتالي فالشباب «ناطرين إتصال». أمّا المفترض أن يكون الذي قد يتصل وقد لا يتصل، فهو المرافق، أو مدير مكتب الرئيس…

وهذا كله كان يحصل في «مواسم» تشكيل الحكومات.

وفي التسعينات استراحت القصور من الإتصال، كما إستراحت الدور من المتَّصَلِ بهم… ليس فقط لأنّ الهاتف الخلوي دخل على الخط، بل خصوصاً لأنّ القرار كان يأتي من دمشق ومن عنجر… وأحياناً يُكلّف هذا السياسي أو ذاك أن يبلّغ من يعنيهم الأمر، فيبشر بعضهم بالدخول الى جنّة الحكم، وينقل نذر الشؤم الى من لم يأتِ دورهم بعد… وخيرها بغيرها! وبعدها قدّامك. والضمير المتصل «ها» يعود الى الحقيبة الوزارية.

ولقد قُيّض لي أن أحضر «المراسم» تلك من خلال صديق سياسي كبير لعب دوراً مهماً جداً طوال سنوات في التشكيل… وكان مسك ختام من يتم الإتصال به للإبلاغ إليه  أنّه سيدخل الجنة الوزارية هو قول الصديق السياسي الكبير للوزير العتيد: «ما تنسى تمرق على أبو يعرب (ولاحقاً أبو عبده) حتى تقوم بواجب الشكر».

وبالفعل عرفت تلك المرحلة أنماطاً من الوزراء ممّا هبّ ودبّ، مع الإعتراف بأنّ بعضهم كان من الجيدين أخلاقاً وممارسة  ومهنية ونظافة كف.

بدأنا هذه العجالة بالقول إن مرض الإستيزار ليس جديداً في لبنان… ولكن ما يجري اليوم لم يعد مجرّد مرض، بل أضحى وباء لشدّة مضاعفة أعداد الذين «يسنّون أسنانهم»، وقد إستبدت بهم الشهوة الى جبنة الحكم… والعياذ باللّه! فإذا عيون فارغة وأشداق فاغرة ولعاب يسيل وأحلام اليقظة تناطح أحلام الليل… علماً أن نوم هؤلاء قصير، لشدّة القلق الذي ينتابهم، فتقصر فترة النوم وتطول مرحلة القلق، حتى ليصحّ فيهم كلام النابغة الذبياني عن ليله الطويل الطويل الذي لا ينتهي وكأنه «شُدَّ بأمراس» (وكان خائفاً من سطوة الحاكم…).

وهذا الوباء ضاربٌ في أصحاب المطامح والمطامع فضاقت دونهم حكومة الأربعة والعشرين، وستضيق دونهم حكومة الثلاثين… ولو توافق الرئيسان عون والحريري على حكومة من مئة مقعد وحقيبة لضاقت دونهم أيضاً.

وللذكرى والتاريخ: دخلت مرة على صديقي السياسي الكبير وكان مكلّفاً الإشراف على تبليغ من يعنيهم الأمر بأنهم باتوا مضمونين، وتبليغ آخرين بأن «الحظ مش مصاقب هالمرة»… دخلت من دون إستئذان فقط طرقة خفيفة على الباب ثم أدخل، وفق عادتي في تعاملي معه، فوجدت وزيراً (كان يعتبر بارزاً) في الحكومة الراحلة وهو راكع على ركبته «ويمعن تقبيلاً في يد صديقي وهو يقول له مستغيثاً «دخيلك يا أبو (…) هالمرّة وبس… القضية قضية كرامتي اللي بالدقّ… ببوس إجرك هالمرة وبس». فانتشله صديقي وقال له: صدّقني مش طالع بإيدي جيبك وزير هالمرة… «الإخوان» ما بدن ياك.

ويحدّثونك عن الوطنية والكرامة والعنفوان!