موجة الكرامة التي تبرر الإمعان في قتل لبنان، محصورة مفاعيلها بصب الزيت على نار الحقد والكره للمملكة العربية السعودية ومن يتضامن معها، فقط لا غير.
فلا علاقة لهذه الكرامة الإستنسابية بما عدا هذا الحقد المفتعل بخلفية مذهبية، والمدوزن على قياس مصالح رأس المحور الإيراني ومرتزقته.
وهي لا تتضارب مع الذلِّ نتيجة إستهداف العدو الصهيوني الغاشم مواقع وقوافل لهذا المحور في سوريا، وأحدثها عدوانٌ جويٌ من اتجاه شمال بيروت مستهدفاً بعض النقاط في المنطقة الوسطى والساحلية قرب حمص، لضرب مواقع لجيش النظام السوري وأهدافٍ إيرانيةٍ وأخرى لـ”حزب الله”، وتسبب بتصدع منازل في الهرمل.
وعندما ترتبط هذه الكرامة بالدفاع عن حرية التعبير، فحينها يكتمل النقل بالزعرور.. بالتالي يحق لوزير الإعلام جورج قرداحي أن يعبِّر عن وجهة نظر المحور الإيراني والنظام الأسدي في مسيرته نحو السلطة، ولا ينخزه ضميره ويغلِّب حسه الوطني بعدما أودت هذه الحرية بلبنان إلى مزيد من الغرق.
كذلك يحق لوزير الخارجية عبدالله بوحبيب أن يفند أسباب رفض السعودية إعتداءات “حزب الله” عليها ومصادرته الدولة اللبنانية لتسهيل ارتكابه هذه الإعتداءات، مبرراً هذه الإعتداءات بحجة السوق والعرض والطلب، وذلك في جلسة “Intime” مع عدد من الصحافيين، للتأكد من وصول رسالته إلى حيث يجب، لعل وعسى يقطف ثمارها مع الإستحقاقات المقبلة.
وإستلحاقاً، يحق لمحام مسنود إلى المحور ذاته والنظام ذاته بأن يتباهى بقوله “بِحْكُم العدلية بصرمايتي”. فـ”الصرماية” هي أرقى وسائل التعبير لدى مرتزقة المحور. أما المفارقة فهي في إرتباط إستخدامها برفض تطبيق القانون والخضوع للعدالة لدى إرتكاب جرائم كبرى، يصدف أنها تخدم أجندة المحور الإيراني ومن يدور في فلكه.
وكذلك، يصدف في لبنان، أن تتوجه بوصلة الإتهامات إلى “حزب الله”، سواء تعلق الأمر بجريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو إغتيال سمير قصير وجبران تويني ولقمان سليم صوناً لحرية تعبير المجرمين عن جهادهم في سبيل مصالح محورهم.
وأخيراً لا آخراً إقترنت “الصرماية” بجريمة تفجير مرفأ بيروت التي تطلبت إعلان التعبئة العامة، وصولاً إلى تهديد رئيس الجمهورية والحكومة مجتمعة التي “واجهت مع إنطلاقة عملها بعض المشاكل، واحدة منها التسييس في تحقيقات قضية انفجار المرفأ، وعليها أن تعالج هذه المشكلة بطريقة ما”، وإلا الويل والثبور وعظائم الأمور، والمثال الحيّ مما شهدناه في عين الرمانة. والخير لقدام.
أما الذروة فهي مع همروجة السيادة التي تطفو زبداً على موجة الكرامة. فمن يتحكم بالبيئة الحاضنة من خلال قسائم وصناديق إعاشة ومشاريع وهمية، ويمنن هذه البيئة بمساعدات لا يحظى بها إلا المحاسيب، يرفض وضع لبنان كمتسول، ويستنهض الهمم المتسولة رغيف الخبز والدواء والوقود والتعليم.
فالسيادة التي يتذرع بها مرتزقة المحور لا تتناقض مع عرض أحد اللبنانيين أولاده للبيع حتى يؤمن لهم حياة كريمة لعجزه عن إطعامهم. وهي أيضاً لا تتناقض مع أخذ لبنان بمؤسساته وقضائه وشعبه رهينة للولي الفقيه، مع إقرارٍ بأن الحاكم بأمره هو جندي في جيش هذا الولي الفقيه.
وبناء عليه، لا يعود مستغرباً أن تبتلع هذه الموجة كل محاولات تعويم الحياة السياسية لهذه المنظومة الخائبة. لأنها وببساطة تضع لبنان كله وليس فقط قضاءه تحت “صرماية” من يحرك أعتى الأعاصير الأكثر قدرة على جرف البلاد إلى مزيد من الغرق.