ليس جديداً أن المناقبية والانضباط هما من أبرز صفات جيشنا اللبناني الذي نشأ على القواعد العسكرية والإنسانية المثالية.
وهذا تاريخه منذ نشأته الى الساعة.
أخيراً أطلق الجيش «مدوّنة قواعد سلوك الجيش اللبناني في إنفاذ القانون». وهذه، في حد ذاتها، مبادرة طيّبة تأخذ أبعادها الكبيرة في زمن تحوّلت جيوش عديدة، خصوصاً في العالم الثالث، إلى بعض أشكال الميليشيات.
وليس غريباً على جيشنا أن يتمسك بأهداب حقوق الإنسان وهو سليل تراث لبناني عريق عمره أكثر من سبعين عاماً، منذ أن شارك هذا الوطن الصغير بفعالية في وضع شرعة حقوق الإنسان العالمية عبر الراحل الكبير المرحوم الدكتور شارل مالك يعاونه السفير المرحوم كريم عزقول، وهو ما أشار إليه قائد الجيش العماد جوزاف عون في كلمته الرصينة أمس، في الاحتفال الذي أقيم برعايته لمناسبة إطلاق المدوّنة.
بداية، كم كان لافتاً أنّ الاحتفال لم يتجاوز الثلاثين دقيقة بالرغم من أنه كان حافلاً بالمداخلات العديدة إضافة الى عرض ڤيديو عن مدوّنة السلوك. فقد تحدث، الى القائد، كل من مدير القانون الدولي وحقوق الإنسان في الجيش، والممثل الإقليمي للمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان وسفيرة الاتحاد الأوروبي في لبنان.
وذلك كله خلال النصف ساعة فالجيش ليس هاوي كلام إنما أفعال على الأرض.
تتضمن المدوّنة حول إنفاذ القانون نقطاً بارزة: عمليات حفظ الأمن الداخلي بإعتبار أن احترام حقوق الإنسان هو من بين أسس الأمن والنظام العام ممّا يعزّز من هيبة الدولة، وذلك ضمن رؤية الجيش الى النزاهة والشفافية وتعزيز آلية المحاسبة… الى كيفية التعامل مع التظـاهرات والتجمعات وتوقيف المخالفين (…).
وتفرد المدوّنة بنوداً خاصة بالمبادئ الأساسية لاستخدام القوة والأسلحة النارية في مهمة حفظ الأمن… وثمة بنود في السلوك والواجب المهني لعناصر الجيش في إنفاذ القانون، والقواعد العامة لاستعمال القوة والأسلحة النارية، وتسيير الدوريات وإقامة حواجز ونقط تفتيش الى ما هنالك من أمور.
ويبدو لافتاً جداً في المدوّنة (ومضمونها كلّه لافت ومهم) بعض العبارات التي لا يجوز المرور عليها من دون التوقف عندها: «… في الأحوال كافة إظهار النية لاستخدام القوة بطريقة تؤدي الى عدم استعمالها إلاّ عند الضرورة». و«يجب أن نميّز بين المتظاهرين السلميين وأولئك الذين يستخدمون العنف». ويحظر استخدام عبارات مسيئة أو إشارات مهينة أو تهديد المتـظاهرين. ولعلّ أكثر ما كان لافتاً الشعار الآتي «الكرامة للجميع تحت سقف القانون».
كما نعرف جيشنا عن قرب نجزم بأنّ هذه المدوّنة جاءت لتؤكد على المؤكّد. فالجيش هو من هذا الوطن ومن هذا الشعب، وقد «تربى» على المبادئ والقيم منذ تأسيسه حتى اليوم. وأمّا التعامل مع المهام التي يُكلَّفُ تنفيذها فيكفي أن نذكّر بما ورد في الفقرة التي استهل بها العماد جوزاف عون كلمته أمس وما بات معروفاً وهو أنه في عزّ المعركة مع الإرهاب كان العسكر يعملون على إنقاذ نساء وأبناء الإرهابيين.