على رغم تنديد غالبية المسلمين بالإرهاب، رفع دعاة الإسلام الأصولي وتيرة هجماتهم الدامية خلال السنوات الأخيرة. قتلوا وأصابوا في كل مكان. لم يفرقوا في الضحايا بين المؤمنين والمتهمين بأنهم “كفّار”. لا حساب للأبرياء. لم يوفروا المسلمين. فرضوا على العالم بأسره إعادة البحث في العلاقة بين الإسلام والعنف.
الجريمة الرهيبة التي ارتكبها اسلاميون متطرفون في حق العاملين في “شارلي إيبدو” لم تعد الإعتبار الى رسول المسلمين. لا يمكن تبريرها بأي اعتبارات دينية أو إنسانية أو أخلاقية. ليست من شيم “الإسلام الحقيقي”. قد يكون هدف المهاجمين تدمير هذه الصحيفة الأسبوعية الساخرة أو تغيير هويتها. لا شك في أنهم حاولوا وضع الحد بالترهيب لرسامي الكاريكاتور وغيرهم من الفنانين والصحافيين الذين يصورون رموز المسلمين أو يأتون على ذكرها بأي نقد. ما ينشر منذ سنوات في أوروبا والغرب من تصويرات تتهكم على الرسول وآل الرسول وصحب الرسول أثار غضب المسلمين عبر العالم. عندهم أن الإسلام ليس بساماً أو ضحاكاً. يتوسلون العنف لـ”تأديب” فرنسا وأوروبا والغرب.
بيد أن هذا النوع من الهجمات العبثية صار معتاداً أيضاً في الكثير من البلدان العربية والإسلامية. ها هي “الدولة الإسلامية” تقتّل الكثير من المسلمين، وبينهم السنّة، الداعون الى الإعتدال في العراق وسوريا واليمن وغيرها. ها هو تنظيم “القاعدة” ينشر مذهبه الإرهابي من أفغانستان وباكستان عبر العالم.
لعل أخطر ما في هذا الهجوم في فرنسا أنه ليس حادثاً معزولاً. بل يكشف محاولات الجماعات الإسلامية المتطرفة لإثارة “الفتنة” بين الدولة الفرنسية ومواطنيها المسلمين وبين الدول الأوروبية وأقلياتها المسلمة. يروجون مشكلة عميقة بين الغرب والإسلام. يلقون تبعات التخلف والأمية والفقر على الإستعمار، وعلى المؤامرات التي أدت الى إنشاء دولة اسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. قد يكون هذا كله أو بعضه صحيحاً. يساهمون في تصوير العنف ممارسة يومية في حياة المسلمين.
في كل مناسبة مأسوية كهذه، تندد غالبية المسلمين بالأفعال التي لا تستقيم وشعائر ديانتهم وشعاراتها. بيد أنهم لا يكلفون أنفسهم إلا وسعها من النقد الذاتي أو الوقوف أمام المرآة. يهبون دفاعاً عن الإسلام. يكررون أن لا “استرهاب” و”لا إكراه في الدين”. غير أن الإسلاميين المتطرفين يكتفون من القرآن بآيات مثل: “فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم”، أو “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم وأنتم لا تظلمون”.
من يحدد هوية “الإسلام الحقيقي”؟ من المسؤول عن هذه الجريمة بحق “الإسلام الحقيقي”؟