IMLebanon

معايير الحرص عند برّي وعون تشكل وعاءً يستوعب الهواجس المشتركة

أطلّ نائب رئيس مجلس النواب سابقًا إيلي الفرزلي من على المنصّة الإعلاميّة في الرابية بتصريح تهدويّ رصين، بلغة أدبيّة خطابيّة كدأبه، ميّز فيها بين منطق الشائعة ومنطق الحقيقة في علاقة العماد ميشال عون برئيس مجلس النواب نبيه برّي، ليراها وبحسب قوله وهو في الوقت عينه قول العماد عون نفسه، قائمة على أرقى ما يكون من كيمياء متوازنة. وأردف قائلاً ان العماد عون يعترف بموقع الرئيس برّي على غير ما أشيع، ومعتبرا انّ التمديد الذي حصل للمجلس النيابيّ اساء إلى شرعيّته، مميّزًا بطريقة غير مباشرة بين ما هو قانونيّ Légal وشرعيّ Légitime وكأنه شاء القول انّ العماد عون سينتخبه مجلس نيابيّ قانونيّ وإن كان وعاء الشرعيّة مثقوبا ومجوّفا منها، لكون الشعب وبحسب مقدّمة الدستور يبقى مصدر السلطات. وعلى هذا أكمل الفرزلي قوله : رنّ العماد عون هو ابن المؤسسات والدستور ولا يمكن لها سوى أن تكون محترمة لديه. وقد صدر التصريح باسم العماد ميشال عون.

ينطلق تصريح إيلي الفرزلي من عقل العماد عون وفكره، لييدع حالة جديدة، تجتاح بنسيمها العقلانيّ واللطيف المساحات الإعلاميّة والسياسيّة العاصفة بكلمات تصير ألغاما مزروعة هنا وثمّة لتنفجر تباعا في جوف الفرصة الرئاسيّة المتاحة أمامنا فتفجّرها أشلاء تماهيا مع انفجار البراكين الحمراء في الإقليم الملتهب. تلقّف المكتب الإعلاميّ للرئيس نبيه برّي الخطاب التهدويّ فأصدر بدوره بيانًا متكاملاً ومتجانسًا مع ما طرحه الفرزلي الهدوئيّة ذاتها، مؤكّدا عدم وجود أيّ خلاف شخصيّ بينه وبين أيّ مرشّح آخر، وأنّ الطروحات التي قدمها ويضعها بتصرف الجميع تعكس تمسكه بجدول أعمال الحوار الوطني، وهي لا تستهدف أيّاً من المرشحين بعينه، ولكنها في نظرنا الممرّ الالزامي لاستقرار الوضع السياسي والحفاظ على المؤسسات الدستورية والحل المتكامل يبدأ بانتخاب رئيس الجمهورية. ليجيبه الرئيس الفرزلي ومؤكّدًا وعلى لسان العماد عون مجدّدا أنّ جدول الحوار الوطنيّ مسألة بغاية الأهميّة وأن الحوار كان ويجب أن يكون ويستمر، وأن تفاهم الأطراف المدخل الأساسيّ لصناعة الاستقرار السياسيّ في لبنان وإعادة إنتاج المؤسسات الدستوريّة، والعماد عون يلتزم بأيّ موضوع تتفق عليه الأطراف المعنيّة تتعلّق ببنود الحوار الوطنيّ وجدول أعماله، مع التنويه بالمطالبة بضرورة إنتاج قانون انتخاب نيابية جديد ولسوء الحظ لم يصر إلى إنتاج قانون جديد منذ سنوات، ينسجم مع الدستور بمعاييره وبنوده، وأمل في نجاح الحوار وهو أمر في غاية الأهميّة، وقد أنهى بأنّ العماد عون يلتزم بكل بنود طاولة الحوار الوطنيّ.

الشيء الأساسيّ الظاهر بأنّنا عدنا إلى نوعيّة هادئة في الخطاب تحاول إسباغ اللبننة كصفة حيّة ومتحرّكة في السياق السياسيّ على الرغم من قناعة معظم المصادر السياسيّة المتابعة بأنّ الملفّ الرئاسيّ بات جزءًا تفصيليًّا من الصراع الدائر في المحيط بين معظم القوى. وعلى الرغم من ذلك لا بدّ من التنويه بأنّ فرصة وصول العماد عون إلى قصر بعبدا وبحسب أوساط سياسيّة بدأت تتكامل معطيات تحققها بين الأطراف بشكل تدريجيّ، على أنّ الشرط الأساسيّ والجوهريّ لمبدأ التكامل ينطلق من بناء قواسم مشتركة بين العماد عون والرئيس برّي، كما حتما بين العماد عون والرئيس الحريري. ليس من إمكانية لتحقيق النمط الميثاقيّ إلاّ بنحت تلك القواسم، على أنها وبحال إتمامها وحصولها لا بدّ وأن تشكّل الاندفاع الأقوى والأرضية المتينة حتى يظفر عون بالرئاسة. وبحسب مصدر قريب من برّي، إنّ الخلاف لم يكن شخصيّا البتة بين برّي وعون، وهما متقاربان في السنّ والحكمة والقامة، والمحبّة بينهما متبادلة، كما الاحترام متبادل، وهذا عينا ما عبّر عنه العماد عون أمام أصدقاء التقاهم، وقد أتى كلام الرئيس إيلي الفرزلي مؤكّدا بحرفيّته لهذه الروحيّة الإيجابيّة.

وعلى الرغم من ذلك فإنّ الطرفين يدركان ويعترفان بأنّ ثمّة مطبات معقدة وصعبة اعترت العلاقة السياسيّة والانعطافات المنسابة بينهما، فالتدحرج بهذا المعنى كان أقوى من الانسياب، بسبب الالتباس المتشكلّ حول مسألة التمديد للمجلس النيابيّ، وقد جوّفه من شرعيّته ميثاقيّته، وقد ساهم الإعلام بصورة مباشرة أو غير مباشرة في ربط هذا الالتباس بالعلاقة الشخصيّة بين الطرفين، من خلال تضخيم سوء الفهم والذي تطور إلى فتور وسوء في العلاقة. وعلى الرغم من ذلك فإن معايير الحرص الوطنيّ عند برّي وعون تشكّل وعاء حقيقيًّا يستوعب الهواجس المشتركة حول المرحلة الرئاسيّة الجديدة المرتبطة بحالة تكوينيّة للمنطقة، فالحوار المباشر بالهواجس كفيل بترميم الثقة، حتّى إذا انبلجت وسطعت بقوّة، تبدّد كلّ الشكوك وتردم كلّ الفجوات وتبيد كلّ الإسقاطات الشائكة المنهمرة من كلّ حدب وصوب، وتسهّل الطريق أمام لبننة الحلّ.

وفي رأي أوساط متابعة يجب على الجميع أن يظهروا هواجسهم المتصلة بخصوصياتهم، السؤال المطروح هل نحن أمام صراع خصوصيّات أو أننا قادرون على جعلها متجانسة في همّ وطنيّ واحد، في سلة حلول لا تتم بالإكراه، ولا تحصل بالفرض، ولا تؤثر إذلال طائفة لأخرى أو فريق لآخر. ذلك أنّ الفرق شاسع في المفاهيم والرهانات بين هذا الحزب وذاك، وقد سمّت الأوساط القوات اللبنانيّة وحزب الله، والتشكيلة الحكوميّة من شأنها في التوزيع المفترض أن تتأثّر بهذا التنافر، الخروج من التنافر والتباينات هو الجوهر إذا رام الجميع الحوار ورنوا إليه قبل الاستحقاق الرئاسيّ. فبناء الثقة وتبديد المخاوف ضرورة وطنيّة، والتسوية تجيء من هذا الفعل، وقد تمّ القول سابقا ان الاتفاق الرضائيّ باتفاق معظم الأطراف أفضل من انتظار ما تفرزه الرهانات من ظافر وخاسر، فيسود الظافر على الخاسر بفرض شروطه. فالرئيس نبيه برّي عنده هواجسه، والعماد عون والرئيس سعد الحريري وحزب الله، كلّ واحد عنده هواجسه الخاصّة فهل نعزل الهاجس عن الآخر أو يتقبّل الواحد الآخر برضى تام ليصار إلى الحوار وتركيز سلة الحلول المشتركة ضمن تسوية حقيقيّة تكون من ضمن تلك الفرصة المتاحة للبنان لاجتياز هذا الاختبار الصعب وهو تحدّ كبير لجميع الفرقاء والأطراف، فنكون أمام بادرة خير تؤدّي إلى اللبننة والتفلّت من المعايير الخارجيّة التي كانت شريكة في الشغور الرئاسيّ.

على هذا الأساس من الطبيعيّ والمأمول أن يكون هناك حوار  لإرساء منظومة تفاهمات للدفع بتحقيق الاستحقاق وتبوّؤ العماد عون منصب الرئاسة الأولى. فميشال عون سيحمل هواجس البيئة التي يمثلها وكذلك الآخرون، واللقاء بين الرئيسين بري وعون له فاعليته لتأمين تلك القراءة وتعبيد الطريق امام مجموعة تفاهمات، فالعماد عون تفاهم مع حزب الله فكانت ورقة التفاهم المنظومة الجامعة، تفاهم مع القوات اللبنانيّة علاقة مجت سواد التاريخ ووحشيته فكانت ورقة إعلان النيات المنظومة الجامعة، والحوار مع تيار المستقبل لديه الإمكانات لتأسيس تلك المنظومة الجامعة، فمن الطبيعيّ أن يتمّ الحوار مع الرئيس برّي وهو زعيم وعليه تتاسس منظومة جديدة. هذا الحراك قد يجد من يواجهه ويقف بوجهه ويعطّل الاستحقاق الرئاسيّ، ويمنع من وصول عون إلى بعبدا، وهي أحلاف معلنة وغير معلنة، قوى داخلية وإقليمية وعربية، السؤال التحدي، هل نمضي إلى الاستحقاق في فرصة العالم منهمك في صراعاته واثقي الخطوة، أو ننتظر ونترك البلد في فراغ.

على هذا التساؤل أجاب السفير الروسيّ في لبنان ألكسندر زاسيبكين وبعيدًا من التفاصيل قائلاً: «نحن ندرك أن ثمّة صعوبات تحول دون إتمام هذا الاستحقاق منها ان واقع لبنان مرتبط بآفاق الصراع في سوريا، ولكنّنا وعلى الرغم من الواقعيّة-البراغماتيّة، نقترح على اللبنانيين أن يلبننوا بأنفسهم الحلّ السياسيّ المنوط بالدعوة إلى الانتخابات الرئاسيّة، الانتظار مكلف كثيرًا على لبنان فيما إتمام الاستحقاق يحرره من أي تداعيات سلبية ستنعكس عليه.

السفير الروسيّ يدعو اللبنانيين إلى اللبننة قبل فوات الأوان، وقسم من اللبنانيين يستعذبون الرهانات. الفرصة الذهبيّة، فإما أن نتلقفها أو نفقدها، ويخشى من أننا إذا فقدناها أن نكون قد سقطنا في لجج عدميّة قاتلة.