لم يرق الاهتمام الخارجي بلبنان في ظل الظروف الدقيقة المحيطة به والتي تترك انعكاسات خطيرة على الساحة الداخلية، الى مستوى يتيح للبلاد أن تجتاز استحقاقاتها السياسية والامنية والدستورية بسلام.
يرسم مسؤول لبناني واسع الاطلاع إنطباعات قاتمة حيال تراجع الاهتمام الدولي بلبنان رغم الحركة الدبلوماسية الداخلية أو الخارجية التي تواكب الوضع الداخلي خصوصا والوضع الاقليمي في شكل عام. ويعزو ذلك إلى ما يلمسه من خلال حركة إتصالاته الخارجية، حيث ينحصر الاهتمام بتأكيد المواقف الدولية الثابتة والتقليدية لجهة ضرورة صون الاستقرار وإلتزام تطبيق القرارات الدولية والاسراع في إنجاز الاستحقاقات الدستورية، ولا سيما إنتخاب رئيس جديد للجمهورية. لكن الدعم الدولي للبنان لم يتجاوز في الآونة الاخيرة هذا السقف، وفق المسؤول عينه، علما أن البلاد تحتاج إلى رعاية دولية في أكثر من مجال سياسي وعسكري ومالي.
فتكليف الجيش والمؤسسات الامنية مهمة مكافحة الارهاب يستدعي توفير الجهوز التام للمؤسسات العسكرية والامنية لتقوم بذلك، في حين يلاحظ ان المساعدات التي تصل إليها تصطدم بحق نقض خارجي حيال نوعية الاسلحة، بما لا يشكل خطرا على إسرائيل، فيما إنجاز تسييل الهبة السعودية يستغرق وقتاً.
في الشق المالي، يواجه لبنان أكثر من تحدٍ، أحدها يتعلق بضغط ملف اللجوء السوري. وفي هذا المجال، يشير المسؤول إلى أن لبنان حصل على وعود دولية بمساعدات لم يصل منها الا القليل، فيما تتزايد حاجاته وحاجات اللاجئين، ولا سيما في موسم البرد القارس الذي لفح لبنان أخيرا.
وفي هذا المجال، جدير بالذكر أن صندوقاً إئتمانياً أنشىء من أجل لبنان بنتيجة إجتماع مجموعة الدعم الدولية في نيويورك قبل أكثر من عام، وهذا الصندوق يعمل، وقد أودع فيه بعض الدول المانحة ما يقارب 75 مليون دولار لتنفيذ مشاريع بنى تحتية وإنمائية لدعم الاقتصاد والمجتمعات المضيفة، لكن المؤسف أن هذه المشاريع لم تدخل حتى الآن حيز التنفيذ.
لا يخفي المسؤول البارز إستياءه الذي تشاركه فيه مؤسسات وصناديق دولية من عجز لبنان عن وضع مشاريع موازنات وإقراراها وتطبيقها. ويذكر أن آخر موازنة أقرّت في 2005 قبل إغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وليس التذكير بهذا الامر الا للدلالة على الاهمية التي كان يعلقها الحريري على رغم الظروف السياسية والامنية التي كانت تحيط البلاد، على إنجاز الموازنة، نظرا إلى ما تعطيه من إشارات إيجابية للأسواق لناحية رسم سياسات الدولة وتوجهاتها الاقتصادية والمالية بما يطمئن المستثمرين إلى ثبات السياسات الاقتصادية والمالية. أما اليوم، وبعد مرور عشرة أعوام على الفراغ في هذا المجال، يلاحظ إلى أي حد تراجع الاهتمام بالملف الاقتصادي وإلى أي حد تهمل الاصلاحات المالية المطلوبة.
في المقابل، يسجل المسؤول الواسع الاطلاع إرتياحه الى عدد من المؤشرات، ولا سيما النقدية منها التي تعزز المناعة الداخلية ومقوّمات صمود الاقتصاد. ويشير في هذا المجال الى إستقلالية السلطة النقدية وقدرتها على التحكم في السوق وجعل القطاع المصرفي مطواعاً وقابلاً لتطبيق التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي، والتي تسهم في حماية هذا القطاع، ما دام إلتزامه كاملا ضد أي أزمات محتملة. وآخر مثال عليها، وإن في شكل ضيق ونسبي، المضاربة على العملات التي كانت برزت على أثر قرار المصرف المركزي السويسري فك إرتباط الفرنك السويسري بالاورو. وكان حاكم مصرف لبنان قد نبه المصارف الى ضرورة التشدد في تطبيق التعاميم المتعلقة بالمضاربة، ولا سيما لجهة فرض هوامش لا تقل عن 20 في المئة على الزبائن الذين يضاربون في سوق القطع.
وبدا هذا الامر جلياً أيضاً على نطاق أوسع، بعد الحملة التي تعرضت لها المصارف على خلفية ملفات مكافحة تبييض الاموال وتمويل الارهاب. وقد نجحت المصارف بإلتزام كل معايير الرقابة الذاتية على عملياتها. وتجلى ذلك في تراجع الضغوط الدولية ولا سيما الاميركية، من دون ان يعني ان لبنان ليس تحت المجهر الاميركي والدولي في شكل دائم.
تكفي الاشارة الى إتصال أجرته وزارة الخزانة الاميركية بالسلطات النقدية اللبنانية أخيراً لاستطلاع صحة التغريدة المسائية للنائب وليد جنبلاط، والتي مفادها دخول مليار ونصف مليار دولار من اموال العراق الى لبنان.
كان كافيا نفي المعلومة لطمأنة الجانب الاميركي المترقب بشدة حركة إنتقال الاموال من العراق واليه. لكن الامر كان كافيا ايضا للتأكيد ان لبنان ليس غائبا عن مجهر المراقبة وأن الخارج مستعد للإنقضاض عندما يلزم الامر!