تحوّل اللقاء الوزاري في الديمان برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي وفي حضور الرئيس نجيب ميقاتي إلى مادة إضافية للسجال والتجاذب الداخليين، بعدما انقسمت المواقف حياله على طرفي خط الإستواء السياسي.
بالنسبة إلى ميقاتي، لم يكن اللقاء يتحمّل كل هذا الضجيج والصخب لأنّه ليس إجتماعاً رسمياً لمجلس الوزراء، وبالتالي لا يمكن تصنيفه في خانة مخالفة الدستور او الأعراف، وليس مبرراً إطلاق أحكام مسبقة عليه.
ولأنّ فكرة انعقاد اللقاء وُلدت عفوياً كما اكّد الراعي وضيفه، فإنّ ميقاتي يعتبر انّ إعطاءها أبعاداً وتفسيرات مجافية للحقيقة هو نوع من التجنّي والظلم في حقه وفي حق البطريركية المارونية.
ووفق مقاربة ميقاتي، كان لا بدّ من حصول هذا الملتقى الوزاري تحت مظلة الراعي تحديداً، في ظلّ الغياب المستمر لرئيس الجمهورية، اولاً لطمأنة المسيحيين وبطريرك الموارنة الى حرص الحكومة ورئيسها على حماية التوازنات الداخلية المرهفة، واحتواء اي هواجس موجودة، وثانياً لاستجرار البَرَكة من رأس الكنيسة المارونية في مواجهة الإتهامات والحملات التي يتعرّض لها رئيس مجلس الوزراء.
ولعلّ «الصورة» في حدّ ذاتها كانت هي الأهم لميقاتي، لانّ من شأنها إضفاء غطاء مسيحي – كنسي لحكومته المتّهمة من قِبل «التيار الوطني الحر» بأنّها غير ميثاقية وغير دستورية، وبأنّها تصادر دور رئيس الجمهورية الماروني وتتجاوز إرادة المكوّن المسيحي.
وبهذا المعنى أتت استضافة الراعي للاجتماع الوزاري كي تعزز حصانة حكومة ميقاتي وتمنحها «براءة ذمّة» و»شرعية مسيحية» هي في أمسّ الحاجة اليهما حالياً.
اما التيار، فبدا ناقماً على ميقاتي وعاتباً على الراعي، وهو يضع التجمّع الوزاري في الديمان ضمن سياق «الاستغلال الفجّ لموقع البطريركية المارونية من أجل الاستحصال على غطاء مسيحي للحكومة».
ولكن التيار يعتبر انّ ما جرى في الديمان لا يقدّم ولا يؤخّر سياسياً، وانّ مفعوله لن يتعدّى حدود الصورة التي يُراد استثمارها في حسابات ضيّقة.
وتبعاً لأوساط قيادية في التيار، لن تبدّل زيارة الوزراء برئاسة ميقاتي الى الراعي شيئاً في واقع الحكومة البتراء والضاربة للشراكة، «والمظلّة الميثاقية التي لم تمنحها المرجعيات السياسية المسيحية وفي طليعتها «التيار» للحكومة، لن يعوّضها المهرجان الاستعراضي او الفولكلوري في الديمان».
وتبدي الاوساط أسفها لتمكّن ميقاتي من «تغطيس» الراعي في مستنقع حكومته، مشيرة الى انّ ما جرى يعكس نوعاً من الاستخفاف والخفة في التعاطي مع المسائل الوطنية.
وتلفت الاوساط إلى انّ معظم الوزراء المسيحيين الذين اصطحبهم ميقاتي معه إلى الديمان، لا يملكون اي حيثية تمثيلية، «وحتى انّ بعضهم لا يمثل عائلته، إذ انّ أبناء أحد هؤلاء الوزراء على سبيل المثال هم منتمون الى «التيار الوطني الحر» ويحملون بطاقات حزبية».
وتستغرب الاوساط البرتقالية تبرير اللقاء الوزاري في حضرة الراعي بأنّه عفوي، مشدّدة على أن «من يشغل موقع المسؤولية كرئيس الحكومة لا يجوز له ان يتصرّف بعفوية ومن دون تقدير تبعات ما يفعله».
وتشير الاوساط في معرض تفسيرها لسلوك الراعي، الذي استقبل الوزراء وميقاتي بحفاوة، الى انّ البطريركية المارونية تحاول دائماً تكريس نفسها كمرجعية أولى للمسيحيين في مقابل الأحزاب السياسية الأساسية، ولكن الاوساط تلفت الى انّه إذا أمكن تقبّل هذا الأمر أيام البطريرك الراحل نصرالله صفير بسبب نفي العماد ميشال عون وسجن سمير جعجع آنذاك، فإنّ ذلك لم يعد مبرّراً الآن في ظل وجود الزعماء السياسيين المسيحيين بكامل قوتهم وثقلهم على الساحة