خرق شبه «النصاب السياسي» الذي سجّله العشاء في دارة السفير السعودي علي عواض عسيري، المشهد العام للأحداث الداخلية، سواء في الشكل أو في المضمون، ليطرح العديد من علامات الاستفهام حول المعاني والرسائل المقصود توجيهها من السعودية الى عمق الساحة اللبنانية.
فالعشاء الذي كان يُراد منه، وفق المتابعين، إجراء مصالحة بين سعد الحريري ونجيب ميقاتي ليتمّ تتويجها في صناديق طرابلس البلدية، وسّعت أبوابه بعدما قام الرئيس تمام سلام بالمهمة على أكمل وجه، فتحوّل اللقاء من جلسة ثنائية للقطبين السنيّين الى جمعة سياسية استثنائية لا تتكرر كل يوم.
وكما أن الغموض يكتنف مرحلة ما بعد العشاء وكيفية تصرف الرياض لترجمة المنحى الإيجابي الذي غلّف خطاب عسيري في العديد من محاوره، فإنّ الضبابية لا تزال محيطة بهوية الجهة السعودية التي شجعت على هذا اللقاء الذي يعتقد كُثر أنّه من الصعب أن يحصل من دون غطاء رفيع المستوى، يفترض منطقياً أن يكون وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، ومن خلفه ولي ولي العهد محمد بن سلمان.
عملياً، كانت الطبقة السياسية برمّتها على مائدة «سعادته»، باستثناء طبعاً «حزب الله» ومن يدور في فلكه، حتى القوى السنيّة في «8 آذار» كانت حاضرة، لتؤكد بـ «الوجه الشرعي» أنّ السعودية مستمرة في دعم نهج لملمة البيت السنيّ اللبناني وتحصين أساساته على قاعدة المشاركة والتفاهم، بدليل اللوائح الائتلافية التي انسحبت على كل الدوائر الانتخابية ذات الحضور السنيّ، حتى أنّ «الأحباش» وجدوا لهم مكاناً على اللائحة الائتلافية في طرابلس وذلك من باب توسيع مروحة التفاهمات السنية.
مسيحياً، كانت مشاركة الجنرال ميشال عون محاطاً بـ «مكتبه السياسي العائلي» أكثر من لافتة، من دون أن يعني ذلك أنّ الفيتو السعودي على ترئيسه قد سقط، ولكنّ للخطوة السعودية ـ بنظر المتابعين ـ دلالة بارزة وهي أنّ الرياض قررت اعتماد سياسة الأبواب المفتوحة تمهيداً للمرحلة المقبلة، التي لا تزال حتى اليوم مجهولة المضامين والاتجاهات.
وعلى المقدار نفسه، سجّل غياب سليمان فرنجية علامات استفهام، ولو أنه كان ممثلاً بوفد من «المردة» يرأسه نجله طوني. وفق المعنيين، تُفهم خطوة سليمان فرنجية على أنها حضور وغياب في الوقت عينه.. هو لن يحرق مراكبه مع المملكة التي لا تزال لاعباً أساسياً ومؤثراً في اللعبة اللبنانية والرئاسية تحديداً، مع أنّ المضيف سبق له أن أعلن أنّ ترشيح فرنجية لم يستقطب إجماعاً لبنانياً، ولكنه قد يكون فضّل في هذه الظروف المتوترة بين الرياض والضاحية الجنوبية، أن يبقي على مسافة ولو قصيرة مع المملكة.
أما شيعياً، فكان غياب ممثل عن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محط متابعة أيضاً، مع أن البطريركية المارونية حاضرة كما مفتي الجمهورية. درزياً، بدا الحضور الجنبلاطي خجولاً (غازي العريضي) خصوصاً أنّ وليد جنبلاط اعتذر مسبقاً بسبب وجوده خارج البلاد.
هذا في الشكل. أما في المضمون، فقد كان لخطاب السفير عسيري الجزء الأكبر من حالات الرصد التي كانت تحصل للجَمعة، سواء من داخلها أو من خارجها. لعل الانطباع الأول الذي خرج به أحد المشاركين هو الإيجابية التي اتسم بها معظم كلام سفير السعودية في بيروت، وكأن الرياض تحاول تحسين صورتها وتصويبها بعد الاندفاعة الضاغطة التي سجّلتها بحق «حزب الله»، ولتعيد تذكيرهم بأنها ليست على حال خصومة مع كل اللبنانيين، بل مع فريق واحد فقط لاعتبارات إقليمية.
بنظر هؤلاء، لا مؤشرات راهنة تدلّ على أنّ ثمة إمكانية لترجمة إيجابية الكلام من خلال خطوات عملانية في ضوء الانسداد في العلاقات الإقليمية، وبالتالي فإنّ خطوة السفير لا تخدم سوى صورة المملكة وسعيها الى التخفيف من حالة الخصومة القائمة بفعل الضغط على «حزب الله».
ومع ذلك، فإنّ الخطاب يطرح أسئلة كثيرة من نوع: هل تكون الترجمة من خلال إعادة الاعتبار للهبات المالية المعلّقة؟ أو من خلال إعادة النظر بإجراءات المنع للخليجيين؟ وما هي الخطوات السياسية والأمنية المطلوبة من الحكومة والتي تطمئن السياح العرب والأجانب؟ ماذا تعني الدعوة للتوافق اللبناني حول رئيس ينتخب قبل عيد الفطر؟