Site icon IMLebanon

«أبرشيّة الروم» تحابي رجال أعمال الطائفة؟

 

 

أهالي الجلاليّة يرفضون مشروع المدينة الصناعية «التهجيري»

 

 

تؤكّد الدراسة على ضرورة المحافظة على طبيعة المنطقة وتدعو في الوقت نفسه إلى بناء مدينة صناعيّة

تستعد بلدة الجلاليّة (قضاء الشوف) لـ«استقبال» مدينة صناعيّة تحتلّ تلالها وتقضي على طبيعتها! هذا ما تؤكّده دراسة أعدّتها منظّمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعيّة (UNIDO) بتكليف من وزارة الصناعة. تحوم شبهات حول المشروع بعدما رُبط تنفيذه بمصالح تجمع بين نافذين في وزارة الصناعة وأبرشية الروم الكاثوليكيين في صيدا (مالكة الأرض)، فيما يرفض الأهالي المشروع الذي يعيد إلى ذاكرتهم «مآسي التهجير» ويتهمون الأبرشية بمحاباة رجال أعمال طائفتها

 

في إطار خططها لتطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تعدُّ وزارة الصناعة خطّة لتنظيم مدن صناعيّة في مختلف الأراضي. لهذه الغاية أبرقت إلى البلديات لاستطلاع مدى استعداد كلّ منها لتقديم أراضٍ في نطاقها البلدي لاستقبال هذه المدن، قبل أن تقرّر إطلاق ثلاثة مشاريع في كلّ من بعلبك وتربل ــــ قوسايا البقاعيتين والجلاليّة في الشوف، استناداً إلى دراسة أعدّتها منظّمة الـUNIDO بتمويل من الحكومة الإيطاليّة.

 

التخطيط لمشروع الجلاليّة يأتي خلافاً لرغبة أهالي البلدة والقرى المجاورة. فالبلدة تنضوي ضمن اتحاد بلديات إقليم الخروب الجنوبي، ويشرف عليها إدارياً قائمقام الشوف لعدم وجود مجلس بلدي فيها، ولم تبدِ أي جهة فيها رغبة في بناء مدينة صناعيّة في نطاقها بحسب أهالي البلدة، وهو ما أدّى إلى توقيعهم على عريضة احتجاجاً على المشروع «التهجيري» الذي يصبّ «في مصلحة رجال أعمال كاثوليك تسايرهم الأبرشية وتؤمّن مصالحهم على حساب بيئة المنطقة وصحّة أهاليها».

 

أسباب الاعتراض!

 

تستند العريضة إلى مجموعة حجج يقدّمها الأهالي لرفض قيام مدينة صناعيّة في نطاق البلدة؛ أولاً للخطر الذي تشكّله على طبيعة القرية التي تنتشر فيها الأشجار الحرجيّة والصنوبر والزيتون وترفع معدّلات التلوّث فيها. ثانياً لغياب أي جدوى اقتصاديّة من مشروع مماثل خصوصاً أن غالبية سكّان البلدة الذين لا يتعدّون الـ500 من المتعاقدين الذين لن يستفيدوا من فرص العمل التي ستولّدها. ثالثاً لأن المستفيدين الأوائل من فرص العمل (تبلغ بحسب الدراسة نحو 5 آلاف فرصة عمل) هم سكان قرى أخرى (برجا وشحيم) لم تطالب بلدياتهم ببناء مدن صناعيّة في نطاقها البلدي. رابعاً بسبب الآثار المترتبة عن استهلاك البنى التحتيّة إذ لا توجد في البلدة أي منظومة للصرف الصحي أو شبكة للمياه، كما أن الطريق التي توصل إليها صغيرة وبالتالي عاجزة عن تحمّل ضخّ النقل والشحن منها وإليها. خامساً تخوفاً من تهجير الأهالي وتذكيرهم بـ«مآسي التهجير» الذي عانوا منها خلال الحرب.

 

ويشير الأهالي إلى شبهات تحوم حول الإصرار على تنفيذ المشروع، ويربطونها بانتماء مدير عام وزارة الصناعة المذهبي إلى طائفة الروم الملكيين، وارتباطه هو ورجال أعمال آخرين بعلاقة مع القائمين على دير المخلص التابع لأبرشية الروم الملكيين الكاثوليك مالكة الأرض!

يرفض رئيس دير المخلص الأب نبيل واكيم الردّ طالباً التواصل مع المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون، مكتفياً بالإشارة إلى أن «رفض إقامة المشروع أو القبول به يتعلّق بوزارة الصناعة. إلّا أننا سنكون شركاء الوزارة في هذا المشروع في حال سلك سكّة التنفيذ، ولسنا مخوّلين بأن نحكي أكثر من ذلك». وعن الشبهات بوجود صفقة تصبّ في صالج رجال أعمال، ردّ واكيم «لا صفقات في المشروع، نحن نعمل لخير أولادنا، وهذه تأويلات كاذبة ولها أهدافها وناسها لغاية في نفوسهم، وكلّ ما يتعلّق بالمشروع يردّ عليه داني جدعون».

 

ماذا في الدراسة؟

 

في الواقع، تناقض الدراسة التي أعدّتها منظمة UNIDO نفسها. ففي حين تؤكّد على ضرورة المحافظة على طبيعة المنطقة والاستفادة منها لتطوير السياحة البيئيّة، تدعو في الوقت نفسه إلى بناء مدينة صناعيّة «ستستقطب عمّالاً من إقليم الخروب وصيدا وبيروت الكبرى التي تبعد عنها أكثر من ساعة»!

توصّف الدراسة البلدة بكونها منطقة تنتشر فيها «أشجار الزيتون والصنوبر والشجيرات الحرجيّة على مساحة تصل إلى 82 ألف متر مربّع، ويسكنها نحو 500 شخص أغلبهم من المتعاقدين وكبار السن، يعيشون من تربية النحل والزراعة. وتغيب عنها كلّ مصادر التلوّث، وتربطها بالمناطق الأخرى طريق رئيسيّة واحدة ضيّقة، في حين لا توجد فيها شبكة للمياه إذ تعتمد على آبار المياه الجوفيّة، فضلاً عن عدم وجود شبكة للصرف الصحي بل جور صحيّة سكنيّة».

بالنسبة لعوامل قوّة المشروع فهي تنحصر بوجود «جهة وحيدة تملك الأرض وهي دير المخلص التابع لأبرشيّة الروم»، وهو ما يسهّل عمليّة توقيع العقود واستئجار الأرض، أمّا عوامل الضعف فتكمن في «الانحدارات القويّة في موقع الأرض والتي تبلغ نحو 35 درجة وتغطي حوالى 43% من مساحة الموقع، وصعوبة الوصول إليها لغياب الطرقات المؤهلة، وغياب القوى العاملة في المنطقة للاستفادة من فرص العمل التي سيولّدها المشروع، فضلاً عن بعد الموقع عن المدن الأساسيّة». وبالتالي تكمن الفرص التي يمكن الاستفادة منها لتنمية المنطقة في «استثمار الأرض لتطوير نشاطات بيئيّة سياحيّة مثل المشي في الطبيعة وتسلّق الجبال».

 

 

وزير الصناعة: الصناعات المفترضة في المنطقة خفيفة وصديقة للبيئة

ومن هنا، تقترح الدراسة «المحافظة على المنطقة لما لها من أهمية طبيعيّة وجماليّة، وتخصيصها للسياحة البيئيّة والنشاطات المرتبطة بها، وجذب السواح إليها، مع إمكانية تشجيع الصناعات الصديقة للبيئة والصناعات الإبداعيّة (أرتيزانا وموبيليا ومزارع للدواجن)، على أن يطغى الطابع المحلي على بناء أي مدينة صناعيّة بما لا يضرّ بالغنى الإيكولوجي للمنطقة».

 

مصير المشروع

 

تبلغ قيمة المشاريع الثلاثة نحو 52 مليون يورو، ستقترض الدولة نصفها من البنك الأوروبي للاستثمار (EIB) لتجهيز البنى التحتيّة الخاصّة بالمشاريع، في وقت لا تزال تتفاوض مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (ERBD) لاقتراض المبلغ المتبقي. وبحسب مصادر متابعة للملف «لا يبدي البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية حماسة لاستمرار مشاركته في تمويل المشروع نظراً للمشكلات التي تحوم حوله. ولكن رغم الاعتراضات على المشروع داخل مجلس الإنماء والإعمار، تم توقيع اتفاق بين وزارة الصناعة والبنك الأوروبي للاستثمار لاستدانة المبلغ المطلوب لتنفيذ المشاريع الثلاثة، من دزن أن يصدر لحينه أي قانون عن مجلس النواب يسمح بهذه الاستدانة».

في المقابل، يشير وزير الصناعة حسين الحاج حسن في اتصال مع «الأخبار» إلى أن «الصناعات المفترض إنشاؤها في المدينة الصناعية في الجلاليّة تنتمي إلى الفئات 3 و4 و5، أي أنها عبارة عن صناعات خفيفة وصديقة للبيئة، فضلاً عن أن حجج الأهالي لرفض المشروع غير مقنعة ولا مبرّرة». وأوضح أن «المدينة لن تقام في عقارات خاصّة بل في عقار الأبرشية وبطلب منها، وهو مشروع سيولّد 5 آلاف فرصة عمل، في وقت نعاني لإيجاد فرص عمل محليّة، كما أن الاتهامات الموجّهة إلى المدير العام غير مبرّرة إذ لا علاقة له بالموضوع لأن الوزارة تعمل على تنظيم مدن صناعيّة بدل إنتشارها عشوائياً». وأكد: «رغم ذلك، نحن منفتحون ولن نقوم بما يعارض رغبة الأهالي وقد أعلمنا الجهات الدوليّة إمكانيّة إلغاء المشروع في الجلاليّة. لكن الموضوع لم يحسم لحينه».