IMLebanon

الديبلوماسية والاستنزاف: بين سوتشي وكامب ديفيد

منتجعان، سوتشي وكامب ديفيد، وحدثان ديبلوماسيان، واحد بالأمس والثاني غداً. 

بالأمس، في المقر الصيفي للرئيس الروسي بسوتشي على البحر الأسود، عقد فلاديمير بوتين أول لقاء له مع ناظر الخارجية الأميركية جون كيري منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية في شباط من العام الماضي.

وكان بوتين انتقل إلى سوتشي للاستراحة بعد أيّام الاحتفالات المهيبة بالذكرى السبعينية للانتصار على ألمانيا الهتلرية. وهي الاحتفالات التي قاطعها قادة الغرب، وشهدت في المقابل رسالة قوية، من خلال العرض العسكري الضخم. كما أثارت العروض العسكرية التي نظّمها الانفصاليون المدعومون من موسكو في الشرق الأوكراني توجسّاً غربياً، من تأكل وقف إطلاق النار الموقّع في مينسك في منتصف شباط الماضي والذي تزايدت وتيرة خرقه من الجانبين مؤخراً.

المبادرة الأميركية للقاء بوتين، تزامنت داخلياً، مع رمي المعارضة الروسية بورقة حسّاسة، وهي التقرير المنسوب إلى المعارض بوريس نمتسوف الذي جرى اغتياله قرب الكرملين «على عينك يا تاجر»، ويتهم فيه بوتين بإدارة حرب غير معلنة في الشرق الأوكراني، بتدخل عسكري مباشر، ومئات القتلى من الجيش الروسي.

وإذا كان قادة الغرب قاطعوا احتفالات «يوم النصر»، فقد جاءت زيارة المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل الأحد الماضي لموسكو ولقاؤها بوتين استدراكية بعض الشيء، أو بالأحرى استباقية: إذ هي تعاملت مع «اتفاق مينسك الثاني» حول وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا على أنه متصدّع وآيل للسقوط. 

ربما كانت حرب الدونباس المستمرة منذ أكثر من عام، والتي أوقعت ستة آلاف قتيل حتى الآن، لا تزال أقل دموية من الجبهات المشتعلة في الشرق الأوسط، لكنها جزء من «حرب استنزاف عالمية» تجمعها إلى حرائقنا العربية، وتتميز عنها بأنها تجري فوق أراضي مجتمع صناعي، بل في المنطقة الأكثر تصنيعاً من أوكرانيا.

وما باتت تخشاه العواصم الغربية جدّياً هو اندفاعة هجومية جديدة هذا الربيع. لا سيما بعد مداراة موسكو لجزء من أزمتها الاقتصادية، وتصاعد وتيرة الضائقة في أوكرانيا نفسها، التي تعتريها حالة غضب من ضحالة المساعدات الغربية. 

كما أنّ الانتصار العسكري الموضعي الذي حققه الانفصاليون في ديبالتسيفو مباشرة بعد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في مينسك ينخر هذا الاتفاق نخراً، ويقوّي شعور الانفصاليين بأنهم قادرون على التمدّد مجدّداً، وقضم ميناء ماريبول على ما هم يحققونه ساعة بساعة الآن.

حركتا ميركل وكيري باتجاه بوتين تحاولان استباق تصعيد روسي ميداني. ما هو أكيد هو أن حرب الدونباس لم تتوقف، وستستمر، برعاية «وقف النار» أو من دونها. 

حرائق الشرق الأوسط أيضاً ستستمر. إشارة الأميركيين إلى أن الحديث سيتطرّق مع بوتين إلى سوريا لا يعني أن أي إيجابية روسية يمكن أن تتأمن حيال هذا الملف إذا كان التصلّب على جبهة الدونباس متبادلاً. أما العكس فغير صحيح. 

هذا عن لقاء بوتين – كيري بالأمس وسياقه، في وقت تتجه الأنظار إلى حراك ديبلوماسي له مقام آخر، وهو القمة الأميركية – الخليجية في كامب ديفيد غداً، التي تتزامن مع «الهدنة الإنسانية» لخمسة أيام في اليمن، وتتصل، تحديداً من الجانب الأميركي، بتقديم الشروح حول المسار التفاوضي النووي مع إيران، في حين اهتمت وسائل الإعلام الغربية بإبراز الرسالة من وراء أسلوب التمثّل الخليجيّ في القمة، والضغط من أجل رؤية شاملة ومضمونة أكثر لموضوع إيران، هذا في وقت ثبّت فيه الكونغرس حقه في النظر بالاتفاق النهائي مع طهران، المنتظر أواخر حزيران المقبل، في موعد أصبح داهماً، لكنه.. غير مضمون. الحراك الديبلوماسي برمّته غير مضمون، في محاولات تكيّفه مع مناخ حروب الاستنزاف الحالية.