IMLebanon

أوساط ديبلوماسيّة : تحقيق الانتصار على إيران وحزب الله بعيد المنال

عندما أعلن وزير الخارجية الأميركية جون كيري أنّ واشنطن مستعدّة للتفاوض مع الرئيس السوري بشّار الأسد في إطار إتفاقية «جنيف 1» لإنهاء الأزمة السورية، قامت الدنيا ولم تقعد، بسبب ما لمسه البعض عن تبدّل الموقف الأميركي 180 درجة، فسارعت الإدارة الأميركية لنفي وجود أي تغيير في السياسة المتعلّقة بسوريا، مؤكّدة أن لا مستقبل للأسد فيها. وأوضحت أنّ مواقف كيري تُجدّد التأكيد على سياسة راسخة وهي الحاجة إلى عملية تفاوضية مع وجود النظام على الطاولة وليس المفاوضات المباشرة مع الأسد. هذا دون أن يتطرّق كيري أو إدارته الى مقولة الولايات المتحدة الشهيرة «أنّ الأسد فقَد شرعيته ويجب عليه أن يرحل».

ولأنّ النفي غالباً ما يؤكّد الخبر أو الموقف، وليس العكس، ردّ الرئيس الأسد، بطريقة غير مباشرة، على الموقف الأميركي بالقول إنّ بلاده مستعدّة للحوار مع الولايات المتحدة الأميركية، ولكن «على أرضية عدم الضغط على السيادة السورية»، مشيراً الى أنّ المفاوضات ينبغي أن تقوم على الإحترام المتبادل.

من كلّ ما تقدّم يظهر جلياً، بحسب أوساط ديبلوماسية مطلعة، أنّ الولايات المتحدة غير مهتمة بإنهاء الأزمة السورية التي دخلت عامها الخامس، فهي لا تزال تطرح الحلّ ثمّ تنفيه، في محاولة لإضاعة المزيد من الوقت، ولو أرادت ذلك فعلاً لفعلت منذ زمن. كما أنّها بالتالي لا تعطي أي أهمية للوضع الداخلي اللبناني، ولا للكرسي الرئاسي الذي يُعاني الشغور منذ أيّار الماضي، ولا لملف النازحين الذي يُلقي بثقله على دول الجوار ولا سيما منها لبنان الذي يستضيف أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري. فما يهمّ واشنطن اليوم فقط هو توقيع الإتفاق الإيراني- الغربي (مجموعة الخمس زائد واحد) حول البرنامج النووي.

والمعلوم أنّ إسرائيل من جهة، والسعودية من جهة ثانية تعترضان على هذا الإتفاق، تضيف الاوساط، فالأولى تخشى عدم التزام إيران بما ينصّ عليه حول وقف إنتاج الطاقة النووية، والثانية كونها ترفض أساساً حصول التوافق بين واشنطن وطهران ما يهزّ علاقتها المتينة بالولايات المتحدة.

ولكن ما يثير الريبة، هو الدعم الأميركي لـ «عاصفة الحزم» التي تشنّها دول الخليج العربي، باستثناء عمان، بقيادة السعودية على الحوثيين في اليمن الذين ينتمون الى الطائفة الزيدية الشيعية، والمتهمين بالتقارب عقائدياً مع المذهب الإثني عشري الذي يسود في إيران والعراق ولبنان، ويجدهم البعض يسيرون على خطى «حزب الله» في مشروع إقامة «الهلال الشيعي» في المنطقة، لا سيما أنّ الولايات المتحدة تسعى حالياً لإرضاء إيران وليس العكس.

فإذا كانت إيران ترعى الحوثيين في اليمن رغم نفي هؤلاء لذلك، كما لتحوّلهم الى حزب سياسي معترف به من قبل السلطات، والولايات المتحدة تدعم الدول العربية التي تقصف الحوثيين بالطائرات المقاتلة بهدف القضاء عليهم، علماً أنّهم يُشكّلون أكثر من ثلث سكّان البلاد وغالبية في شمالها، فإنّ التوقيع النهائي على الإتفاق الغربي- الإيراني، على ما تؤكّد الأوساط، سيتأرجح. كما أنّ إمكانية تحقيق النصر في هذه المعركة، يبدو ضئيلاً نظراً لعدد الحوثيين الكبير الذي يصل الى نحو 8 ملايين نسمة. فلو كانت الضربات الجوية تؤدّي مهمتها بهذه السرعة والسهولة، لكان تمكّن التحالف الدولي من القضاء على «داعش» و«جبهة النصرة» بعد أشهر عدّة على شنّ الضربات الجوية عليهما في العراق وسوريا.

وتفسّر الأوساط الدعم الأميركي لهذه العملية العسكرية ضدّ الحوثيين، بأنّها محاولة من قبل واشنطن إرضاء لكلّ من السعودية، وإسرائيل المنزعجتين من الإتفاق الغربي مع إيران حول برنامجها النووي، لا سيما أنها اكتفت بالدعم ولم تتدخّل بالمعركة، على ما ستبرّر لطهران في حال عاتبتها حول هذا الأمر. غير أنّ هذه الذريعة قد لا تُقنع إيران التي تدعم الحوثيين وإعادة الرئيس اليمني السابق علي صالح الى السلطة. علماً أنّ واشنطن أكّدت تأسيس خلية تخطيط مشتركة مع السعودية لتنسيق الدعم العسكري والاستخباراتي في ما يتعلّق بالعملية العسكرية.

أمّا الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية التي تنأى بنفسها عن أزمات وصراعات المنطقة، وإن كانت هذه الأخيرة تُقحمها فيها بطريقة أو بأخرى، فلا بدّ أن يكون عدم التدخّل في هذه الأزمة أيضاً، رغم أنّ البعض يريد زجّ «حزب الله» فيها.

وإذ تتساءل الأوساط نفسها عن الأسباب التي دفعت الدول العربية للقيام بهذه العملية ضدّ الحوثيين في هذا التوقيت بالذات، ما قد يُهدّد بتفجير الوضع الأمني في المنطقة بكاملها بين السنّة والشيعة، تؤكّد أنّه إذا كانت السعودية من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، سوف تعتبر كلّ منهما أنّها حقّقت انتصاراً على «حزب الله» في حال تمكّنت عملية «عاصفة الحزم»، من حسم الموقف والقضاء على الحوثيين في اليمن، فإنّ هذا النصر سيكون بعيد المنال.

فهل يمكن أن تكون الدول العربية قد قرّرت شنّ الحرب على الحوثيين في اليمن المدعومين من إيران، بهدف تحقيق الإنتصار على «حزب الله» أو حلفائه في المنطقة، بعد أن فشلوا في الضغط عليه وجعله ينسحب من المعارك السورية الى جانب النظام؟ وهل هي بالتالي وسيلة لإضعاف إيران في المنطقة، وجعلها ترضخ للإتفاق مع الغرب من دون أي شروط؟!

ما هو واضح حتى الآن، بحسب الأوساط، أنّ الدول العربية بدعم أميركي قد أدخلت نفسها في معركة عسكرية لن تكون سهلة، لأنّها بكلّ بساطة، سوف تؤلّب عليها إيران، و«حزب الله»، ولا أحد يمكن أن يتوقّع الإنعكاسات السلبية لها على المنطقة ككلّ، كما على تأخير المفاوضات بشأن الأزمة السورية.