بات واضحاً انّ كل المساعي الدولية لتهدئة ساحة الجنوب العسكرية اصطدمت بشروط الكيان الاسرائيلي التعجيزية و«غير المنطقية»، كما وصفها الرئيس نجيب ميقاتي، واعتمادها «انصاف الحلول» كما قال وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لذلك ذهب لبنان حسب مصادر رسمية متابعة الى أبعد مدى في المواجهة السياسية والدبلوماسية المستندة الى قدرةٍ على المواجهة العسكرية، بطرح مقترحات متكاملة للحل عند الحدود الجنوبية، ارسلها خطياً عبر وزارة الخارجية الى الامم المتحدة، وابلغها الى كل السفراء والموفدين الدوليين الذين تفرّغوا فقط لنقل المطالب والشروط الاسرائيلية، مع تقديم بعض «المغريات» الهزيلة للبنان، كمعالجة نقاط التحفظ الحدودية مع استثناء البحث بمصير مزارع شبعا وتلال كفر شوبا المحتلة، من دون اي تعهّد اسرائيلي بوقف الاعتداءات والانتهاكات للقرار 1701.
يستند لبنان في مواجهته السياسية والدبلوماسية الى عاملين: عامل الحق التاريخي بالارض والموثق لدى الامم المتحدة، وعامل مواجهة العدوان العسكري الاسرائيلي بقدرة قتالية عالية لكن مضبوطة الإيقاع، وهو ما دفع ميقاتي الى القول امام كل الوفود والمنتديات الدولية «انّ حزب الله يضع المصلحة الوطنية فوق اي مصلحة اخرى»، لجهة عدم توسيع الحرب والتزام قواعد الاشتباك التي خرقها جيش الاحتلال مراراً من دون اي حسيب او رقيب دولي، اومراجعة له او ضغط عليه لالتزام هذه القواعد.
اكثر من ذلك، تقول المصادر المتابعة لـ«الجمهورية»: انّ كل الافكار والمقترحات التي عرضها الموفدون الاميركيون والاوروبيون لم تتجاوز طلب البحث عن «مقاربات جديدة واتخاذ خطوات من جانب لبنان اولاً بوقف عمليات المقاومة وتسهيل عودة المستوطنين الاسرائيليين»، من دون طرح ما يمكن ان تقدّمه اسرائيل بالمقابل سوى إبداء الاستعداد للتجاوب مع الطلب الاميركي ببحث موضوع الحدود البرية، لكن ضمن شروط تراعي مصلحة جيش الاحتلال ومستوطنيه، ولا تراعي مصلحة لبنان وحقه بتحرير كامل اراضيه المحتلة، وكذلك طلب عدم ربط وضع الجنوب بوضع الحرب في غزة، وهو ما رفضه لبنان بشقيه الرسمي والمقاوم. حيث كان جوهر الموقف اللبناني انّه لا يستقيم اي حل مستدام من دون حل عادل للقضية الفلسطينية والاراضي المحتلة ووقف العدوانية الاسرائيلية.
وذهب بعض الموفدين الى نقل رسالة اسرائيلية الى لبنان مفادها «انّ الحل بيد «حزب الله» عبر وقف عملياته، وعلى الحكومة اللبنانية الضغط على الحزب او التواصل والحوار معه لوقف العمليات». وحسب معلومات المصادر الرسمية، فقد اجرت الحكومة بعد زيارة الموفد الاميركي آموس هوكشتاين الاخيرة اتصالاتها مع الحزب عبر الرئيس نبيه بري، وأجرت تقييماً للطرح الخارجي، وخلصت الى تثبيت موقفها الذي اعلنه بري وميقاتي وبو حبيب «بضرورة البحث عن حل لدى اسرائيل وليس عند لبنان، يقوم على تطبيق كل القرارات الدولية القديمة والجديدة، من اتفاقية الهدنة التي كرّست حدود لبنان البرية الى القرار 1701، واستعادة الحقوق اللبنانية والفلسطينية كاملة، ووقف الحرب على غزة ومخططات تهجير اهل القطاع الهادفة الى القضاء على اي احتمال لقيام دولة فلسطينية ضمن حل الدولتين الذي طرحته الدول المعنية لوقف الحرب على غزة، والتي تشمل اعتبار غزة من ضمن اراضي الدولة الفلسطينية، كما قال وزيرخارجية اميركا انتوني بلينكن.
وقالت المصادر الرسمية في خلاصة لكل التحركات واللقاءات: إنّ الحكومة اللبنانية لا تعتبر الخط الأزرق حدوداً للبنان مع فلسطين المحتلة، بل هو خط انسحاب قوات الاحتلال بعد حرب تموز 2006، وخط الحدود هو خط إتفاق الهدنة لعام 1949، والجهود التي يبذلها هوكشتاين للتوافق على الحدود البريّة بعد الاتفاق على الحدود البحرية «معلّقة الآن» إلى ما بعد انتهاء الحرب الاسرائيلية على غزة. وأبلغنا المسؤولين الدوليين أنّ لبنان على استعداد لتنفيذ القرار 1701 بحذافيره، اذا طُبّقت مطالبه. وهذا موقف الحكومة ومضمون الرسالة الى دول العالم والأمم المتحدة.