تصدر نبأ تمديد المفاوضات بين الدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي والذي بدأ التمهيد لاحتمال حصوله منذ الاسبوع الماضي ولو ان الامور لم تحسم في اتجاه هذا التمديد الا قبل اربع وعشرين ساعة من انتهاء المهلة مساء الاثنين في 24 تشرين الثاني، وغلب على استخدام كلمة فشل مجموعة هذه الدول في التوصل الى اتفاق نهائي بحلول الموعد المحدد. فالتمديد يترجم استمرار العمل بناء على التقدم الذي احرز وليس انقطاع الآمال بالتوصل الى اي اتفاق وبدا انه الاخراج الامثل المتوقع من اجل الحؤول دون انعكاسات سلبية على مستويات عدة لاعلان الفشل في التوصل الى اتفاق، على رغم ان الجهود التي تواصلت في الايام الاخيرة اوحت ان الفرص متساوية للاتفاق في اللحظة الاخيرة او احتمال التمديد. وكان ابرز ما لفت المراقبين المتابعين لهذا الملف التغيير الذي طرأ على استراتيجية التعاطي الاميركي مع الملف الايراني. فبينما فاجأت واشنطن حلفاءها في تشرين الثاني 2013 بالانباء عن اتفاق مبدئي تم التوصل اليه مع طهران استنادا الى مفاوضات بعيدة عن الاضواء جرت في سلطنة عمان واثارت في حينه رد فعل سلبيا نتيجة ادارة واشنطن المفاوضات بعيدا من اطلاع حلفائها او التنسيق معهم فيما هم معنيون بمندرجات اي اتفاق مع طهران، فهي اعتمدت مقاربة مختلفة هذه المرة في حيثيات العمل للتوصل الى اتفاق نهائي. فوزير الخارجية الاميركي جون كيري اظهر حرصا على اطلاع حلفاء الولايات المتحدة وابقائهم جميعا في اجواء تطورات المحادثات الجارية بينها وبين ايران. وقد اجرى اتصالات بعدد كبير من الدول الحليفة في المنطقة في مقدمها اسرائيل من جهة والدول الخليجية وتركيا من جهة اخرى واجتمع مرتين مع وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل مرة في فرنسا ومرة اخرى في الطائرة الخاصة لرئيس الديبلوماسية السعودية في فيينا وقد تصدرت الانباء عن هذه الاتصالات التي اجراها كيري انباء المفاوضات الجارية في الايام الاخيرة في العاصمة النمسوية. ويقول مطلعون في الخارج ان دينامية عملية التشاور التي تابعها كيري بنفسه قبيل استئناف جولات المفاوضات تهدف الى الاحاطة بكل الملاحظات اكانت اسرائيلية او سعودية او حتى اوروبية نسبة الى وجود تحفظات لبعض الدول تتولى فرنسا التعبير عنها والسعي الى محاولة ملاقاة هذه الافكار وايجاد اجوبة مطمئنة حولها. فهذه الدول معنية اكثر من غيرها ليس من منطلق تحالفها مع الولايات المتحدة انما نظرا الى انه سيكون لاي اتفاق مع ايران انعكاساته المباشرة عليها. وهي لذلك في حاجة الى الاطمئنان عن كثب الى وجود كل الضمانات في اتفاق ربما يأتي وفق المصالح الاميركية من دون سائر مصالح حلفائها. لكن الرئيس الاميركي تحصن وراء التواصل المستمر مع هذه الدول من اجل الضغط في اتجاه اتفاق يأخذ في الاعتبار هواجس هؤلاء جميعا وليس فقط الهواجس الاميركية انطلاقا من ان الاتفاق سيسمح بتسوية ملف مهم وبدء عملية تغيير طويلة في العلاقات ليس بين الولايات المتحدة وايران فحسب بل في عملية عودة ايران الى العالم ما سمح له بالاعلان ان “الاسرة الدولية بكاملها الى جانبي وهم، اي الايرانيون، معزولون تقريبا”.
في المقابل يقول هؤلاء المراقبون ان ادارة اوباما في حاجة الى طمأنة الدول الحليفة المعنية كما هو تماما في حاجة الى طمأنة الكونغرس الذي لا يخفي خشيته من ان يطغى سعي الرئيس الاميركي الى انجاز يتوج ولايتيه في البيت الابيض من خلال السعي الى اتفاق مع ايران قد لا يكون مناسبا كليا. وطمأنة الدول الخليجية والاقليمية ضمنا الى ان ايران لن تكون القوة الاقليمية وفق ما تطمح اليه بحيث يمكن ان تشكل تهديدا لجيرانها، وبأن هذا لن يحصل، هو ما يعني ان اي اتفاق اميركي ايراني لن يأتي على حساب الآخرين. وعلى رغم ان تمديد المفاوضات سبعة اشهر اضافية يحتوي على عناصر سلبية نسبيا خصوصا في ظل سعي كل من ادارة اوباما كما ايران الى اتفاق قبل تسلم الكونغرس الاميركي الجديد مهماته مطلع السنة الجديدة، فان التمديد مفيد من زوايا عدة وفق المراقبين المعنيين ابرزها اظهار استحالة قبول اطراف التفاوض وفي مقدمها الولايات المتحدة باتفاق سيئ وان الافضلية تبقى للااتفاق على اتفاق سيئ وفق الشعار الذي رفعه اوباما من اجل طمأنة اسرائيل والكونغرس الاميركي على حد سواء. وكان لافتا بالنسبة الى المراقبين دعم رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو على سبيل المثال يوم الاحد الماضي عشية انتهاء مهلة التفاوض الاخيرة تمديد التفاوض مع ايران مدة اضافية.
ومن جهة اخرى فان التمديد يعني ان الابواب ليست مقفلة كليا وان هناك تقدما تحقق حتى الآن وهو في حاجة الى مزيد من الوقت من اجل ترجمته عمليا في التفاصيل. يضاف الى ذلك فان الاعلان عن اعطاء ايران 700 مليون دولار شهريا من ارصدتها المجمدة انما بدا لهؤلاء المراقبين انه بمثابة ربط نزاع من اجل مساعدة الرئيس حسن روحاني على ابراز ايجابيات مما تحقق حتى الآن ومواجهة الداخل الايراني المتصلب ازاء المفاوضات لئلا يبدو انه خرج من مفاوضات الاشهر الستة الاخيرة مع وزير خارجيته جواد ظريف خالي الوفاض ومن اجل توفير مستندات قوية له من اجل مواصلة التفاوض والتشجيع عليه.