تنتظر الأوساط السياسية منذ ان انتهت لقاءات غلاسكو المبادرات التي تعهدت بها جهات غربية وعربية لتجاوز الازمة الديبلوماسية اللبنانية – الخليجية التي تسببت بعقدة جديدة. وقبل ان تفي واشنطن وباريس والدوحة بما وعدت به، أطلقت الجامعة العربية مبادرتها وتلتها تركيا بالأمس. تزامناً، لم يتوقف الحراك القطري بين طهران وواشنطن لبلورة مجموعة من الأفكار. وبانتظار اكتمالها هناك ما يوحي بأنّ شيئاً ما أوحى بالتريث. لماذا وكيف؟
لم يعد خافياً على احد انّ الحراك الحكومي والسياسي والحزبي والديبلوماسي الذي تلى الازمة الديبلوماسية نشأت بين لبنان والمملكة العربية السعودية، ومعها مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي لم ينتج اي خطوة ايجابية لوقف مسلسل الإجراءات الديبلوماسية والاقتصادية والتجارية التي تسببت بها تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي. فما تركته المواجهة – التي لم تكن محتسبة تحت أي ظرف – من تداعيات زادت منها حدة المواقف التي فرزت اللبنانيين من الأزمة وتشابكت الأسباب الداخلية بالخارجية فتعقدت الأمور أكثر واتخذت أبعاداً أخرى مختلفة عن تلك التي نشأت في اللحظات الأولى التي كان يمكن ان يطفئها اعتذار وزير الاعلام قبل ان تطرح فكرة الاستقالة او الاقالة. وقبل ان يتم ربطها بالتوتر بين المحورين السعودي والايران وحرب اليمن ومواجهات ولاية مأرب.
وبعيداً من الحسابات اللبنانية الداخلية والتعقيدات التي أقفلت كل المسارب الى مخارج الحلول، انتظر المراقبون تنفيذ مجموعة الوعود التي عاد بها ميقاتي من «لقاءات غلاسكو» الاسكتلندية وتحديداً الوعود بتحرّك فرنسي واميركي، انتظره الجميع بعد اللقاءات التي جمعت رئيس الحكومة بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، كما بالنسبة الى الحراك القطري الذي انتهى اليه اللقاء مع وزير الخارجية القطرية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزيارته القريبة الى بيروت في مسعى لمعالجة الموقف.
وعلى وقع انتظار نتائج الحراك الدولي، عبّرت مبادرة الامين العام للجامعة العربية أحمد ابو الغيط الذي اوفد مطلع الأسبوع الماضي مساعده حسام زكي الى بيروت في زيارة استطلاعية للمواقف اللبنانية المشرذمة كما ولو أنها لم تكن، بدليل انها لم تأت بأي نتيجة عملية ولم يعلن بعد ان كان قد جدّد أبو الغيط اتصالاته بوزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان كما فعل قبل زيارة موفده الى بيروت. وامس، وصل الى بيروت وزير الخارجية التركية مولود شاويش أوغلو في زيارة رسمية لم يعلن عن جدول أعمالها وما اراد منها. ولكن ما دفع الى اعتبارها «نواة مبادرة» لمقاربة الأزمة الديبلوماسية كَمن في الزيارة المفاجئة التي قام بها أمس لساعات قليلة الى طهران، التقى خلالها صاحب الدعوة المفاجئة نظيره الايراني حسين امر عبد اللهيان وهو في طريقه الى بيروت.
وما زاد من التوقعات بملامسة الازمة الديبلوماسية بين لبنان والسعودية ومعها مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي المتضامنة معها انّ اللقاء بين عبد اللهيان وآل ثاني قد تناول بالإضافة الى ازمة المهاجرين الافغان الذي يستخدمون الاراضي الإيرانية في هجرتهم غير الشرعية الى تركيا، فقد توسّع البحث ليتناول الوضع في اليمن ولبنان بشكل خاص. وهو امر كاف ليتناولا الأزمة المستجدة بين لبنان ودول الخليج التي اعتبرت من احدى نتائج حرب اليمن. فأصدقاء إيران في لبنان والمنطقة ربطوا القرارات السعودية «الانتقامية» من لبنان و«حزب الله» تحديداً بنتائج الحرب الجارية في مأرب والتعثّر الذي أصاب المفاوضات المباشرة بين الرياض وطهران وتجميدها في أعقاب اللقاء الرابع بينهما في بغداد في 20 ايلول الماضي، والذي انتهى من دون تحديد موعد اللقاء الخامس بسبب الخلافات التي عصفت من جديد على خلفية ما تسمّيه المملكة «الطحشة» الإيرانية في اليمن ولبنان.
وبانتظار التثبّت من نتائج زيارة رأس الديبلوماسية التركية الى بيروت توجهت الانظار الى الحملة الديبلوماسية القطرية التي تجلّت بالزيارة التي قام بها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الى واشنطن بعد اتصالاته مع طهران منذ عودته من مؤتمر غلاسكو، والتي كانت نتائجها مادة اساسية في اللقاء الذي جَمعه بنظيره الاميركي انتوني بلينكن السبت الماضي. ففي المعلومات انّ البحث تركّز في جزء مهم من اللقاء حول ما يجري في لبنان. وتوقّفا ملياً امام مستجدات الازمة الديبلوماسية مع المملكة وانعكاساتها على الساحة الداخلية التي تعاني مجموعة أزمات زادت من تفاقم الإقتصادية منها والتجارية والمالية الى حدود خطيرة. كما تطرقا إلى إمكانية القيام بعمل مشترك يؤدي الى تبريدها ولجمها عند حدود ما اتخذ من قرارات، منعاً من الوصول إلى نقطة اللاعودة. وكل ذلك من اجل رفع المخاطر التي هددت الحكومة اللبنانية الوليدة حديثاً، نتيجة الفشل في رأب الصدع سريعاً ومعالجة شرارة الازمة الاولى. وهو ما تجلّى بالكلمات القليلة التي حدّد فيها بلينكن موقفه من حكومة ميقاتي، بما لديها «من خطة جيدة للدفع بلبنان إلى الأمام» وتأكيده أن بلاده «تعمل على توفير الوقود في لبنان، ومع الجيش اللبناني لضمان الاستقرار»، وهو ما اعتبر رسالة مباشرة الى الرياض قبل بيروت ان بقيت على موقفها منها.
وفي تفاصيل المعلومات التي وصلت الى بيروت بوسائط ديبلوماسية ان اللقاء لم ينته الى تشجيع قطر للمضي بمبادرتها. فالعلاقات بين الإدارتين السعودية والأميركية ليست على ما يرام. وقد لا تسمح بالبحث في اي خطوة تجاه ما يجري في لبنان. فالزيارة الاخيرة التي قام بها مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان الى الرياض منتصف الشهر الماضي لم تنته الى نتائج ايجابية. ولم تحيي الثقة المفقودة بين واشنطن والرياض. أعضاء الوفد الاميركي الذي رافقه أوحى بجدول اعمالها، فوجود مبعوث الرئيس الأميركي الخاص إلى اليمن تيموثي ليدركينغ، ومنسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك اوحى بان التفاهم السعودي – الاميركي حول القضايا التي تعنيهم ما زال بعيداً.
وإن توسعت التقارير في شرح أسبابها فَردّتها الى ان واشنطن لم تتجاوب مع رغبات القيادة السعودية بإحياء صفقات الأسلحة التي عقدت ايام الرئيس دونالد ترامب، ولم توافق على اتمام صفقة طائرات الـ «أف-35» واسلحة الدفاع الجوي. ولم تتوقف الادارة الاميركية عن استفزازها بالحديث عن قضايا حقوق الإنسان وقضية «اغتيال الخاشقجي» من وقت لآخر. وصولاً الى ضرورة وقف حرب اليمن بعد ان جمدت العقوبات على قياديين من «ميليشيا الحوثيين» ورفعها عن لائحة المنظمات الإرهابية.
وبناء على ما تقدم، فإنّ المعطيات التي تجمعت الى اليوم جزمت ان مهمة الوزير القطري في واشنطن لم تكن مريحة ان نوى الاقتراب من ملف الأزمة الديبلوماسية بين لبنان والخليج. فالرهان على خطوة متقدمة ليست متوفرة لا من واشنطن ولا من طهران. وهو ما دفع بأحد الديبلوماسيين الى القول انه ربما على قطر السعي الى ترميم العلاقات بين واشنطن والرياض قبل البحث بالعلاقات بين بيروت والرياض. وعليه، فإنّ رؤية الوزير القطري في بيروت ليست مسألة قريبة.