في غمرة المواجهة الشرسة التي تخوضها الحكومة مع وباء «كورونا» الذي يثير المخاوف من تمدده واتساع دائرة انتشاره، بدا مقلقاً ظهور إصابات بالوباء بين المغتربين العائدين من فرنسا وإسبانيا، وما يمكن أن يظهر من حالات جديدة بين بقية العائدين من الدول الأخرى، وهو أمر لم يكن مستبعداً، ما سيزيد من الضغوطات على وزارة الصحة والدوائر المعنية، في سياق هذه المواجهة الدائرة وبالإمكانيات المتوافرة، في وقت تبدو الدول المتقدمة عاجزة عن منع انتشار الفيروس والحد من تمدده في الكثير منها.
والسؤال المنطقي الذي يُطرح: هل يمكن أن تبادر الحكومة إلى وقف عملية عودة المغتربين في حال ظهر المزيد من الإصابات بالوباء بين الذين يتوقع عودتهم في الأيام المقبلة؟ الجواب حتى الآن أن رحلات العودة ستستمر، طالما أن أعداد الإصابات تبقى تحت السيطرة، بالتوازي مع تجهيز عدد من المستشفيات الحكومية لاستقبال مصابي «كورونا». ولكن في حال بدأ معدل الإصابات يرتفع في صفوف العائدين، كما تقول لـ«اللواء» مصادر طبية متابعة، فإن القرار بوقف الرحلات سيكون حتمياً، بهدف إبقاء انتشار الوباء تحت السيطرة، وتالياً منع تمدده أكثر فأكثر، بالنظر إلى المخاطر الكبيرة التي تتهدد لبنان إذا ما أظهرت المؤسسات الصحية عجزًا في التصدي له.
وأشارت المعلومات إلى أن اللجنة الحكومية المختصة بـ«كورونا» ستجري تقويماً لمسار عودة المغتربين، في ضوء النتائج المسجلة لعدد العائدين ونسبة الإصابة بهذه الجائحة، ليبنى على الشيء مقتضاه، ولا سيما أن الهمّ الأساسي للمعنيين بهذه المواجهة التي لا يجوز التراخي بها مطلقاً، هو إبقاء معدل الإصابات في إطاره المقبول، وبما يمكن الدوائر الصحية من قدرتها على محاصرته وتطويقه في الأيام المقبلة التي ستكون الأكثر صعوبة على لبنان. ولهذا فإنه متى شعرت اللجنة الحكومية، بأن الأمور قد تخرج عن السيطرة، إذا ما تزايد عدد الإصابات في صفوف العائدين، فعندها سيتم اتخاذ قرار بوقف الرحلات، مع الأسباب الموجبة التي أملت اتخاذه، في وقت يتجه مجلس الوزراء إلى تمديد «التعبئة العامة» أسبوعين إضافيين، بهدف التشدد في تطبيق إجراءات المواجهة، خاصة وأن هناك حالات تفلت عديدة من هذه الإجراءات حصلت في أكثر من منطقة من جانب المواطنين، ما أثار مخاوف حقيقية من ارتفاع نسبة المصابين بالفيروس.
استمرار عودة المغتربين على المحك.. ومؤشرات سلبية لا تبعث على التفاؤل
ووسط تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسبب بها «كوفيد 19» على المستوى العالمي، وبالنظر إلى خطورة الأوضاع التي تمر بها معظم الدول التي تعاني من هذه التداعيات، فإن الأجواء لا تبدو مهيأة لأن تستجيب دول «مجموعة الدعم الدولية»، لطلب لبنان تقديم المساعدة له لمواجهة النتائج التي سيرتبها الوباء في المرحلة المقبلة، حيث أن أجواء اللقاء الذي عقده رئيسا الجمهورية والحكومة ميشال عون وعدنان دياب مع سفراء دول المجموعة، ما كان إيجابياً ولم يخرج عن نطاق التفهم للموقف اللبناني، من دون الحصول على أي وعد للاستجابة للمطالب اللبنانية، بحيث أن المجتمع الدولي يعيش حالة صدمة غير مسبوقة من الكوارث الاقتصادية التي حلت بالدول التي أصابها الوباء. ورغم محاولة المسؤولين اللبنانيين السعي من الدول المانحة أعضاء مجموعة الدعم، للحصول على أجوبة بشأن ما سبق أن طلبه لبنان من مساعدات، بحيث أن الجميع ربط أي نوع من المساعدات بالإصلاحات التي يتوجب على لبنان القيام بها، قبل أن يمد يده لطلب المساعدة من الآخرين.
واستناداً إلى المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، فإن أوساطاً دبلوماسية غربية استهجنت استمرار عجز لبنان عن اتخاذ أي خطوة إصلاحية على قدر من الأهمية، لاكتساب ثقة الدول المانحة وتشجيعها في مرحلة لاحقة على تقديم الدعم للبنان، وفق مؤتمر «سيدر» الذي أقر مساعدات للبنان بما يقارب الـ11 مليار دولار، في وقت تثير الخلافات على المحاصصة في التعيينات التي تنوي الحكومة القيام بها، استياء واسعاً لدى البعثات الدبلوماسية في لبنان، والتي لا ترى جدية من جانب الحكومة، في ظل هذه الخلافات التحاصصية، في إجراء أي عملية إصلاح لتطهير الإدارة من الفساد المستشري الذي أساء إلى سمعة المؤسسات اللبنانية، وأفقد الثقة الخارجية بها.
وتنظر الأوساط باستياء إلى تعطيل التشكيلات القضائية التي أقرها مجلس القضاء الأعلى، من دون أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ، بسبب تجميدها من قبل وزيرة العدل ماري كلود نجم، لأسباب تطرح الكثير من التساؤلات، طالما أن مجلس القضاء الأعلى أخذ وقته في إعداد هذه التشكيلات التي يعتبرها من وجهة نظره مستقلة ولا تخضع لأي تدخلات من جانب أي طرف. وبالتالي فإن تعطيل هذه التشكيلات يُسيء إلى عمل القضاء في لبنان واستقلاليته، ولا يعزز أبداً الثقة الخارجية بالمؤسسات الدستورية اللبنانية، لا بل إنه يعطي انطباعاً بأن التدخلات السياسية بالقضاء ومؤسساته مستمرة، وهذا ليس في مصلحة لبنان على الإطلاق، ولا يمكن أن يوفر الأجواء الملائمة لمساعدته وإخراجه من المأزق الذي يواجهه.