Site icon IMLebanon

نار الحرب أقوى من الجهود الديبلوماسية؟

 

 

الطائرة المسيّرة التي استهدفت المنزل الصيفي لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو حققت نقطة عسكرية قوية لمصلحة «حزب الله» ومن خلفه إيران، لكنها دفعت بالأمور إلى مزيد من التصعيد، خصوصاً في ظل تحضيرات إسرائيلية لتنفيذ ضربة تشكّل رداً على الصواريخ الإيرانية التي ضربت إسرائيل منذ أسابيع معدودة.

وقبل ذلك، كانت المسيّرة المتطورة نفسها قد نجحت في اختراق الدفاعات الإسرائيلية وتوجيه ضربة دامية للقاعدة العسكرية للواء غولاني في بنيامينا. والإنطباع الغالب لدى الأوساط المراقبة أنّ «حزب الله» الذي كان تلقّى ضربات قاسية طاولت قيادات الصف الأول والثاني في الحزب، أعاد بناء القيادة على كافة مستوياتها، من خلال إشراف ضباط في الحرس الثوري وبنحو مباشر على عمليات «حزب الله». فكيف بالحري في حال استخدام الأسلحة التي تُعتبر نوعية وأساسية مثل الصواريخ الدقيقة والبالستية، وكذلك المسيّرات المتطورة كتلك التي استهدفت ناتاليا ومقر نتنياهو؟ وليس بالضرورة أن يكون الهدف إغتيال نتنياهو، لكن الرسالة القوية التي حملتها المسيّرة المتطورة هي أنّ القدرات الحربية لـ«حزب الله» ومن خلفه إيران لا تزال قوية وقادرة على الوصول إلى حيث تشاء، ولذلك على نتنياهو إدراك ذلك.

 

ولكن، وفي المقابل، عمدت الحكومة الإسرائيلية وعلى أبواب التحضير لضربتها الإنتقامية لإيران، على وضع العملية التي حصلت في إطار محاولة إغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية. والهدف من ذلك تحضير لا بل مزيد من تجييش الرأي العام الغربي ضدّ إيران، وهو ما يخفي ضمناً وجود نيات برفع مستوى الأهداف المقصودة في إيران، وهو ما يدفع إلى طرح الأسئلة حول الأهداف الحقيقية التي يتوخّاها نتنياهو. فهل فعلاً هناك تحضير إسرائيلي للسعي إلى هزّ الإستقرار الداخلي لإيران والعمل على نشر الفوضى؟ أم أنّه يريد الذهاب الى أهداف أخرى تصل إلى حدود ضرب المنشآت النفطية، ما سيدفع إيران إلى ردّ مماثل قد يطاول منشآت نفطية مقابلة في الخليج، ما سيؤدي إلى اضطرابات واسعة في أسواق النفط، وتالياً لحصول ارتفاع جنوني في الأسعار، ما سيؤدي الى توجيه ضربة إنتخايبة قاضية للمرشحة الديموقراطية كامالا هاريس؟ وما يعزز هذا الإعتقاد هو تعمّد تأخّر نتنياهو في توجيه ضربته ليكون أقرب ما يكون زمنياً إلى اليوم الإنتخابي الأميركي الكبير.

 

أضف الى ذلك، هذا التراجع في التأييد التقليدي لليهود الأميركيين للحزب الديموقراطي منذ الرئيس رونالد ريغان. ففي آخر استطلاعات الرأي ظهرت أدنى نسبة تأييد يهودية لهاريس بلغت نحو 67% فقط في مقابل 31% لدونالد ترامب.

 

وبدت إدارة بايدن مرتبكة في طريقة فرض سيطرتها على الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط. لذلك وفور إعلان إسرائيل نجاحها في اغتيال زعيم حركة «حماس» يحيي السنوار، أعلن الرئيس الأميركي أنّ هذا الحدث قد يفتح باب الحلول للحرب الدائرة، وأنّه سيرسل وزير الخارجية انتوني بلينكن الى إسرائيل. ويطمح بايدن أن ينجح بلينكن في تحقيق وقف إطلاق النار، وبالتالي إطلاق الأسرى لدى «حماس» ومن بينهم عدد من اليهود الأميركيين. وهو يأمل من ذلك التقاط ورقة انتخابية رابحة يمكن استثمارها إنتخابياً. وفي موازاة ذلك، عمل على إرسال موفده الشخصي آموس هوكشتاين الى بيروت.

 

لكن «حركة» بايدن تبدو «بريئة» إلى حدّ بعيد. فلا نتنياهو يميل لمنح ورقة النصر للديموقراطيين لا بل على العكس، ولا إيران ومعها حركة «حماس» على استعداد لرمي السلاح من دون تحقيق التزامات تطاول أثماناً لا تريد اسرائيل أن تدفعها. هذا على رغم من أنّ إيران لا تريد عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتفضّل بقاء الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض، حيث الخطوط مفتوحة والمفاوضات لم تنقطع يوماً خصوصاً عبر الوسيط العماني.

 

وفي بيروت، تنتظر زيارة هوكشتاين مهمّة صعبة. فإسرائيل تستمر في تحضيراتها الميدانية لتحقيق سيطرتها على منطقة عازلة بعمق 5 كلم ووفق أهداف لا تزال مبهمة وغامضة، وهو ما يقلق الأميركيين والأوروبيين على حدّ سواء.

 

وقبل سفره تحدث هوكشتاين عن تعديلات في القرار 1701، فيما لا يبدو الجانب الشيعي موافقاً على ذلك، خصوصاً أنّ التسريبات التي ضجّت بها الأوساط الإعلامية تحدثت عن نزع كامل لسلاح «حزب الله».

 

وعند مغادرة الموفد الأميركي بيروت سيكون مؤتمر باريس قد افتتح جلساته في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومشاركته، مع وزيري الخارجية والبيئة، وأيضاً ممثل عن قائد الجيش الذي اعتذر عن الحضور بسبب الأوضاع الحربية في الجنوب. وهذا المؤتمر سيؤمّن للبنان الدعم المالي المطلوب عبر الدول المانحة لكي يستطيع الجيش القيام بمهماته بعد إعلان وقف إطلاق النار والإتفاق على التسوية السياسية، إضافة إلى مساعدات اجتماعية تطاول النازحين الذين شردتهم الحرب من منازلهم. وفي المناسبة وعلى رغم من كل هذه المشاريع الخطيرة والدقيقة للبنان، وجد أحدهم الوقت لكي يعرض صفقة تقوم على تكريس مشاركته الكاملة قي جلسات مجلس الوزراء مقابل تعيين قائد جديد للجيش. ولا حاجة لشرح خلفيات «الصفقة» ولا للبحث في تداعيات هذه الخطوة الآن على المشاريع المطروحة حول قرار وقف إطلاق النار والمهمات الملقاة على الجيش وخطط تعزيز قدراته.

 

لكن كل هذه الإشارات الدولية الواعدة تبقى في حاجة الى تأمين المدخل الإلزامي، والمقصود به الإتفاق السياسي. وأهم شروطه الإتفاق مع طهران التي كشفت عن وجهها وتولّت طرح نفسها محاوراً مباشراً عن الملف اللبناني، في خطوة بعيدة عن الأصول الديبلوماسية بين الدول.

إيران تدرك جيداً أننا في مرحلة إعادة رسم خريطة النفوذ السياسي في المنطقة، وأنّ هنالك قراراً دولياً بسحب فلسطين ولبنان وتالياً سوريا من حضنها، وأنّ المدخل سيكون من خلال نتائج الحرب الدائرة في غزة وجنوب لبنان. ولكن مع استعراض إيران لعضلاتها الحربية في لبنان وعبر مسيّراتها المتطورة، وأنّ «حزب الله» لا يزال قوياً على رغم من الضربات التي تلقّاها، وكذلك أنّ حركة «حماس» لا تزال تحتفظ ببعض قدراتها على رغم من اغتيال السنوار والسيطرة العسكرية لإسرائيل ولكن فوق الأرض فقط، بدليل احتفاظها بأكثر من 100 أسير، فهي تريد أن تجهض قرار إخراجها من الساحتين الفلسطينية واللبنانية، وأن تبقي نفوذها قائماً ولو مع بعض التعديلات، على أمل أن تستهلك الوقت وتعيد بناء قدراتها وتعويض خسائرها مع الوقت، وهي المشهود لها بطول أناتها وصبرها وباعها الطويل، وفي انتظار تبدّل الأجواء الدولية لاحقاً. وستشكّل هوية الرئيس الجديد للمكتب السياسي لحركة «حماس» مؤشراً واضحاً إلى الجهة الإقليمية التي ستتولّى رعاية «حماس» ومسارها السياسي للمرحلة المقبلة، وما إذا كانت ستبقى تحت المظلة الإيرانية أم ستنتقل الى العباءة القطرية؟

 

ولكن هل فعلاً ستترك العواصم الغربية لطهران نافذة التعويل على الوقت؟

 

في الواقع، وجدت طهران نفسها وحيدة بعد أن تجمّع خصومها ضدّها، بدءاً من واشنطن ومروراً بأوروبا وانتهاء بدول الخليج. فمن ألمانيا طلب الزعماء الغربيون بصريح العبارة من طهران وقف تمويلها ودعمها لـ«حماس» و«حزب الله» والحوثيين. وفي الوقت نفسه، سمع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي من السعودية ومصر المطالب نفسها. لكن جواب عراقجي الديبلوماسي لم يحمل مضامين فعلية، ما يعني الرفض لهذه المطالب.

 

واستطراداً، فإنّه وعلى رغم من الحراك الديبلوماسي الناشط، فإنّ المتوقع حصول ارتفاع أعنف في لعبة الحرب المفتوحة، تبدأ مع الضربة الإسرائيلية ضدّ إيران، والتي يجري التمهيد لها على المستوى الدولي، وسيليها فتح الحرب البرية في جنوب لبنان، والتي لا تزال مفاجآت «حزب الله» الميدانية مجهولة.

 

مع الإشارة هنا إلى انّ التحضيرات الإسرائيلية طاولت العاصمة الروسية، حيث تواصلت تل أبيب مع الكرملين، وأبلغت بأنّها استعدت لحرب برية مع «حزب الله» مختلفة عن سابقاتها، ووضعت في حساباتها إمكانية أن تطول زمنياً وأن تكون خسائرها البشرية مرتفعة. وأبدت إسرائيل تمسكها بأنّ القرار 1701 أصبح من الماضي، وهو بالضبط ما يحمله هوكشتاين في حقيبته لدى زيارته بيروت، ولو عبر صيغة ملطفة تتحدث عن إدخال تعديلات على القرار.

 

في اختصار، فإن الحركة الدولية الناشطة قد لا تعكس بالضرورة حقيقةً الصورة. فالكلمة تبقى للميدان.