كلنا مرتهنون بآذاننا، وباقدامنا، وحتى بما تبقى من ارواحنا، بديناميكية الصراع في الاقليم. الرئيس سعد الحريري قال للدكتور سمير جعجع «اخلع الجنرال»!
على الحكيم ان يقرأ مليا ما قاله الشيخ سعد. هذا ليس وقت اللعب، كل الاوراق على الارض، إما ان تكون في محورنا بالكامل او تكون في محور «حزب الله» بالكامل. لا معنى لان يهاجم رئيس حزب «القوات اللبنانية» السيد حسن نصرالله على مدار الساعة، ولا جدوى من تصريحات نواب «القوات» ومسؤوليها ضد «حزب الله» وتحميله حتى مسؤولية قنبلة هيروشيما…
القصة في منتهى الوضوح. محورنا يعتبر العماد ميشال عون حليف «حزب الله»، وحين يرشحه الدكتور جعجع، هذا يعني انه يرشح من امّن التغطية السياسية، وغير السياسية، للحزب في اوقاته العصيبة. استطرادا لولا الجنرال لكان الحزب، ومنذ عام 2006، وراء القضبان…
هل من قراءة اخرى لما قاله رئيس تيار المستقبل؟ الدكتور جعجع لا يعتمد فقط على «قواه التحليلية»، ولا على فذلكات المستشارين. الرجل لديه الحدس السياسي، ولطالما اوحى لنا بالحدس الاستراتيجي، ليدرك ما هي خلفيات وابعاد الكلام الذي قيل، فقط ليصل اليه. ولقد وصل اليه…
لا ندري ما اذا كان هذا الانذار الاخير للحكيم، لكن ما صدر عن الرئيس الحريري ليس بالكلام الذي يوضع جانبا. يفترض ان ندرك انه آت من وراء الحدود. ثمة انقلاب كامل في طريقة تعاطي المملكة العربية السعودية حتى مع التفاصيل الصغيرة. ريتشارد هاس يرى ان الصراع الان حول من يقود العالم الاسلامي: الملك ام السلطان ام المرشد ام الخليفة؟
الديبلوماسي الاميركي المخضرم يعتبر ان مصطلح العالم الاسلامي مصطلح فضفاض، وبعيد عن المفهوم الكلاسيكي، وحتى الثوري، للجيوبوليتيكا. استطرادا، انه صراع الدم للدم، وصراع الحطام للحطام، وصراع الموت للموت…
لدينا في لبنان رجل دولة ويدعى نبيه بري. من الازهر الذي يخضع، في داخله، لتجاذبات دراماتيكية، وهذا ما لمسناه من زيارة له ولقاءات مع بعض اصحاب الرأي فيه، قال ان الحوار السعودي ـ الايراني يمنع الفتنة التي تدق كل ابوابنا، وتنبش كل القبور، وتضع المنطقة برمتها على حافة النهاية…
الى ان يعقد ذلك الحوار، وهو لا يزال بعيدا جدا بالرغم من شعور الجانبين بالدوران في حلقة مفرغة، يتواصل الضغط في كل الاتجاهات. ربما كان لبنان هو الضحية الذهبية لذاك الضجيج الاقليمي. جمهورية تطفو فوق الفضائح، ومؤسسات سياسية ودستورية إما انها تعاني من الفراغ والشلل او انها تحولت الى حلبة للمصارعة…
مثلما يقول جون رينان، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وبرنار باجوليه، مدير الاستخبارات الفرنسية، بأن الدولة في سوريا وفي العراق لن تعود الى ما كانت عليه، الدولة في لبنان لن تعود الى ما كانت عليه. ومهما وزع بعض اهل السياسة التفاؤل بالسلال الفارغة، لا رئيس للجمهورية في لبنان قبل انقشاع المشهد الاقليمي.
لنتتبع خطوات العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز. انه يؤسس ليس فقط لوضع اقليمي، وانما لنظام اقليمي (وبعيد المدى). هذا يعني ان الازمة اللبنانية ستظل بالمراوحة اياها، الى ان يأخذ هذا النظام شكله النهائي، هذا اذا استكملت عناصره فعلا، ويتم «القبض» على ايران وتدجينها…
هيرودوت قال منذ اكثر من 2500 عام ان المنطقة تقع على خط الزلازل. ناعوم تشومسكي وصفها بالمنطقة العالقة بين الارض والسماء، الفائض اللاهوتي يضغط. بعد «داعش» «سوبر داعش»؟
بمعنى اخر، ان اي نظام امني، على المستوى الاقليمي، وبسبب تعقيدات المحيط الذي يمتد شرقا الى روسيا وغربا الى اميركا (ما دمنا في تلك القرية الكونية)، لا يمكن ان يشق طريقه الى النور الا اذا قام على توازنات محددة، وخلاقة، في آن…
باحثون غربيون ويقولون ان الايقاع التراجيدي في المنطقة ارتطم بالحائط. ماذا حقق السعوديون والايرانيون في سوريا، وفي العراق، وفي اليوم؟ لا شيء، لا شيء، على الاطلاق، سوى ان الانعاكاسات الايديولوجية والسيكولوجية والاستراتيجية لما حصل تعني ان ما دعا اليه زئيف جابوتنسكي منذ نحو قرن (1923) يتحقق بحذافيره…
شظايا قبلية، وطائفية، ومناطقية. من هناك سوى الغربان؟ في القاهرة، سمع الرئيس بري شيئا من هذا القبيل. «ديبلوماسية الفيلة تمضي بسرعة الفيلة»، هكذا قال زبغنيو بريجنسكي. ريثما تتطابق الرؤية، والرؤيا، بين واشنطن وموسكو، لا بد من تجميع الاوراق الى ان تدق الساعة الكبرى…
في لبنان، نحن مجرد ورقة. من يدري بيد من؟!