منذ ثلاث سنوات، وملف التشكيلات الديبلوماسية لا يزال اسير الخلافات السياسية الكفيلة إن استمرت بتطييره الى ما بعد الانتخابات الرئاسية. في كل مرة تكون التشكيلات مادة للخلاف على الحصص يصار الى ارجائها رغم تجاوز العديد من الديبلوماسيين الموجودين في الخارج سنوات خدمتهم المنصوص عنها في القانون، وأحقية الموظفين بملاك وزارة الخارجية في لبنان بالحلول مكانهم في سفارات لبنان في الخارج. فهل يبلغ الملف نهايته المرجوة ام يتم الاعتراض على المناقلات التي وضعتها الخارجية بعد الاتفاق بين المعنيين.
قبل ايام تسلم الرؤساء الثلاثة لائحة باسماء الديبلوماسيين ممن تشملهم المناقلات وتتضمن 18 اسماً لديبلوماسيين سيتم الحاقهم بمهامهم في الخارج، بعد انهاء السفراء الحاليين سنوات خدمتهم وعودتهم للالتحاق بالادارة في الخارجية اللبنانية، بينهم اربعة سفراء سيتم تثبيتهم في مناصبهم وهم سفراء البرازيل، سيراليون وجاكرتا.
أبرز السفارات التي ستشملها المناقلات هي الفاتيكان، واشنطن، نيويورك، فضلاً عن تعيين خلف لامين عام الخارجية الحالي هاني شميطلي الذي سيعين سفيراً في اسبانيا، علماً ان المنصب مخصص للمسيحيين لكن قد يخضع للتبديل الذي سيتم تطبيقه بين السفيرين في واشنطن والامم المتحدة في نيويورك. خطوة تعيين شميطلي سفيراً في دولة اوروبية لم تلق استحساناً في دوائر الخارجية، بينما بررتها مصادر الخارجية بالقول ان خلافات شميطلي مع الديبلوماسيين تمت معالجتها وبالتالي من حقه تحسين وضعه المعيشي بعد تدهور قيمة العملة المحلية. ويطرح اسم عبير علي أو احمد عرفة من الاسماء المرشحة لخلافته فيما هناك خيارات اخرى متداولة بعيداً عن الاضواء. ومن بين الاسماء التي ستشملها التشكيلات السفير غدي خوري المرشح لسفارة لبنان في الفاتيكان وفرح بري في لندن، حسين حيدر، علي المولى، بلال قبلان (تثبيت في افريقيا)، وليد حيدر، اسامة خشاب، فاسكان كالفاكيان، كنج الحجل، جورج أبو زيد وميرنا الخولي سيلحقون في سفارات لبنان في الخارج.
يسعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى استبدال منصب السفير المسيحي في واشنطن بمنصب السفير السني في نيويورك، بعدما كان اغلب الظن تعيين سفير المانيا مصطفى اديب خلفاً لسفيرة لبنان في نيويورك امل مدللي، التي تبلغ في ايلول السن التقاعدي، علما ان اديب ووفقاً للقانون يكون حتى تعيينه قد بلغت سنوات خدمته العشر سنوات، ويتوجب عليه العودة الى لبنان للالتحاق بالوزارة لفترة سنتين قبل ان يتولى مهامّ ديبلوماسية جديدة. وينص القانون على وجوب عودة السفير الذي امضى عشر سنوات في خدمته الى الادارة المركزية في بلده، فيما يفترض بالمستشار العودة بعد مضي سبع سنوات.
وتسود البلبلة في الخارجية والتخوف من ان يتم ارجاء الملف مجدداً فيحرم نحو 14 سفيراً من حقهم في التشكيلات بينما تجاوز السفراء في الخارج سنوات خدمتهم القانونية. واذا كانت الظروف الماضية حالت دون اتمام التشكيلات فما من مبرر للتغاضي عنها في ظل الحكومة الحالية وقبل ان تتحول الى حكومة تصريف اعمال بعد الانتخابات مباشرة.
مصادر ديبلوماسية قالت ان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب توافق ورئيس الحكومة على التشكيلات فيما تسلم بري الاسماء المقترحة، وليس معلوماً بعد ما اذا كان ابلغ موافقته، وفي حال الموافقة فان الملف سيعرض خلال الجلسة المقبلة للحكومة او التي تليها لكن المؤكد ان الموضوع وضع على نار حامية.
مصادر الخارجية قالت ان هذه التشكيلات المؤجَّلة منذ العام 2019، باتت شبه جاهزة ولكن من الصعوبة عرضها على الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء بسبب الظروف المستجدة، ولان الخارجية منشغلة حالياً باخراج اللبنانيين المتواجدين على الاراضي الاوكرانية. وتحدثت عن وجود ما يقارب العشرين سفارة وقنصلية سيتم ملء الشواغر فيها، وان التعيينات ستشمل 40 ما بين سفير وقنصل ومستشار تجاوزت مدة خدمتهم 13 عاماً في الخارج، سيتم تعيين خلف لهم من زملاء داخل الملاك في لبنان وينتظرون تشكيلهم الى الخارج.
التشكيلات الموزعة مناصفة ما بين المسلمين والمسيحيين سيستثنى منها الكاثوليك وهو امر تبرره مصادر الخارجية بعدم وجود ديبلوماسيين كاثوليك على مستوى سفراء في ملاك الخارجية، ما سيحرم الطائفة الممثلة حالياً بسفير لبنان في جنيف من التمثيل مجدداً لان التشكيلات الحالية لا تشمل تعيينات من خارج الملاك، بينما لن يكون التمثيل النسائي الديبلوماسي مماثلاً للتمثيل الحالي في التشكيلات المقترحة والسبب مرتبط بعدم وجود سفيرات يمكن اقتراحهن لتمثيل لبنان في الخارج.
وبسبب الازمة مع دول الخليج سيبقى التمثيل على حاله من دون اية تغيرات. عقبة جديدة تعترض التشكيلات وهي تأمين نفقات البعثات الديبلوماسية في الخارج بناء على سعر صرف الدولار حالياً، وليس على اساس سعر الصرف القديم اي 1500 ليرة. وهو امر يرتب على الخزينة مبالغ طائلة لا قدرة لتحملها بينما تصرف وزارة المالية الرواتب والمخصصات تدريجياً وعلى اساس القاعدة الاثنتي عشرية.
أمر آخر لا بد من التوقف عنده وهو وجود تسعة سفراء موزعين على الوزارات من خارج الملاك وهم السفراء: فريد الخازن (الفاتيكان)، امال مدللي (نيويورك)، سحر بعاصيري (الاونيسكو)، فؤاد دندش (ابو ظبي)، فوزي كبارة (الرياض)، رامي عدوان (باريس)، الياس لبس (فنزويلا)، ومحمد حسن (الجزائر). تقدر رواتب هؤلاء بنحو 153 ألف دولار شهرياً، اي ما يقارب المليون و800 ألف دولار سنوياً كان يمكن توفير هذه المبالغ على الخزينة باختيار سفراء من الملاك، لكن المحسوبيات السياسية لها الكلمة الفصل في حركة المناقلات التي يتم اعدادها.
ويبقى السؤال هل ستمر التشكيلات بسلاسة او يخضع الملف برمته لعوامل تمليها المفاوضات على الانتخابات النيابية بين بري و»التيار الوطني الحر»، او يصار الى ضمه مع جملة الملفات العالقة بقرار سياسي وممنوع من الصرف في عهد ميشال عون.