IMLebanon

هذا ما كان ينتظره «السيد» عندما رشح فرنجية؟

 

 

قفز الإعلان الثلاثي الأطراف بين بكين والرياض وطهران، الذي صدر بعد ظهر امس من العاصمة الصينية، عن الإتفاق على إحياء التمثيل الديبلوماسي بين إيران والسعودية خلال شهرين، إلى واجهة الأحداث الاقليمية والدولية، بما له من انعكاسات مباشرة على الاستحقاق الرئاسي في لبنان، الذي تحول ساحة للمواجهة بينهما. ولذلك طُرح السؤال، إن كان هذا هو الحدث الذي كان ينتظره الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله لدعم ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية؟

 

قبل ان يلفت نصرالله في خطابه الاخير قبل ايام بأنّ ملف العلاقات الديبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية قد انتهى البحث به منذ فترة طويلة بين الدولتين، وانّ البحث انتقل إلى ملفات أخرى لا تتصل بهذه المسألة، كان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد شدّد في خطابه الاخير الذي ألقاه في احتفال تدشين مبنى السفارة الايرانية الجديدة في الضاحية الجنوبية لبيروت في السابع من شباط الماضي، على أهمية ان تكتمل المفاوضات الجارية بين البلدين، إلى ما يضمن مصلحة الطرفين واصدقائهما في العالمين العربي والاسلامي.

قد لا يكون بعض المراجع اللبنانية قد تنبّه إلى أهمية هذين الموقفين، ومدى تأثيرهما على الساحة اللبنانية التي تعيش نوعاً من المواجهات المباشرة بين الطرفين، وما يمكن ان يؤدي اليه مثل هذا التطور، ليس على هذه الساحة فحسب، وإنما على دول الخليج العربي والعلاقات الدولية، في ظلّ المتغيرات الكبيرة التي تُطبخ على نار أكثر من أزمة اقليمية ودولية، تمتد جذورها من أولاها في اليمن قبل 8 أعوام، وقبلها في سوريا قبل 12 عاماً، ومن بعدها في لبنان وصولاً إلى الغزو الروسي لاوكرانيا، وقبلها جميعها ما جرى في العراق منذ اجتياحه قبل 20 عاماً.

 

وعلى هذه القاعدة، لا بدّ من إلقاء الضوء على ما شهدته المرحلة الفاصلة بين الاعلان امس عن استئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، وتاريخ تعليقها لفترة امتدت منذ الاعلان السعودي عن تعليقها من جانب واحد، على لسان وزير الخارجية عادل الجبير في الثالث من كانون الثاني العام 2016 بعد الهجوم الذي استهدف السفارة السعودية والقنصلية العامة في طهران وحرقهما، في اعتبار انّ ما حصل قد شكّل «انتهاكاً صارخاً لكافة الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية». وأمهلت بعثتها الديبلوماسية 48 ساعة للمغادرة.

 

طوال هذه الفترة تصاعدت حدّة التوتر بين الدولتين، واشتعلت حرب اليمن إلى ان بلغت ذروتها بفعل تمدّد نيرانها إلى المناطق السعودية الآهلة على تخوم حدودها مع اليمن، وبعد ان طاولت في 25 آذار العام الماضي الطائرات المسيّرة وصواريخ الحوثيين المصنّعة بأيدٍ ايرانية، منشآت «ارامكو» في جدة ومنشآت حيوية في مناطق جيزان والظهران وأبها وخميس مشيط بدفعة مماثلة منها. هذا عدا عن المواجهات السياسية والديبلوماسية الاخرى التي خاضها الطرفان في اكثر من ملف وقضية، وضعتهما وجهاً لوجه.

 

بقي الوضع على ما هو عليه إلى ان انطلقت المبادرة العراقية التي قادها رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، فعُقدت منذ مطلع العام 2021 سلسلة من الاجتماعات الثنائية بين وفدين ايراني وسعودي على مستوى مسؤولي أجهزة المخابرات والتقنيين، والتي استمرت حتى الجلسة الخامسة التي عُقدت في 23 نيسان 2022، حيث تقرّر في نهايتها الإنتقال بها من المستوى المخابراتي والتقني إلى الديبلوماسي، توصلاً إلى لقاءات على مستوى وزراء خارجية البلدين.

 

ولمن تابع تطورات هذه المفاوضات، يعلم علم اليقن انّ مثل هذا الاجتماع المنتظر بين وزيري الخارجية عُقد اكثر من مرة. فأحدها عُقد بين وزير خارجية البلدين فيصل بن فرحان وامير حسين عبد اللهيان على هامش القمة الفرنسية ودول الجوار العراقي بنسختها الثانية التي عُقدت في 18 كانون الأول 2022 على ضفاف البحر الميت، بعد تعذّر انعقادها في عمان بسبب التوترات التي تركتها التحركات الشعبية في العاصمة الاردنية. ولا يخفى على احد، انّ لقاء مماثلاً كان قد عُقد بينهما قبل ذلك في «قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» في العاصمة التايلاندية بانكوك في 18 تشرين الثاني 2022.

 

لم يكن هذا العرض المؤرّخ للعلاقات السعودية ـ الايرانية بهدف أرشفتها، انما من اجل قياس التأثيرات المحتملة على الساحة اللبنانية. فهي واحدة من الساحات المتأثرة بها. فالدور الايراني ممثلاً بـ«حزب الله» ليس خافياً على احد، ويخوض الحزب مواجهة من هذا النوع منذ سنوات عدة، قادت إلى مسلسل العقوبات السعودية التي فُرضت على لبنان في خريف العام الماضي، في خطوة أعقبت دفع الرئيس سعد الحريري إلى تقديم استقالة حكومته قبل عامين وتحديداً في الرابع من تشرين الثاني العام 2017 من الرياض، رفضاً لما سمّته «إدارة حزب الله وهيمنته» على الحكومة اللبنانية وقراراتها.

 

وبناءً على ما تقدّم، تتطلع المراجع السياسية والديبلوماسية إلى اجراء القراءة المسبقة لما يمكن ان يؤدي اليه قرار إحياء العلاقات الديبلوماسية بين البلدين من ايجابيات متوقعة على الساحة الداخلية في لبنان، ولو استغرق الأمر بعض الوقت. فقد يكون ملف اليمن متقدّماً ولو بخطوة واحدة على الاقل على ملف لبنان وملفات اخرى، وقد تتزامن الحلحلة في الملفين في وقت واحد، فلكل موقع إدارته والفريق الذي يديره من الجانبين. وقد تساهم دول اخرى من حلفاء الطرفين – بعد ان ارتاحت لتحسّن العلاقات بينهما – وهو ما يسمح ببذل مزيد من الجهود لترجمة هذه التفاهمات وتوسيع مداها وإطارها على مساحة الأزمات المفتوحة بينهما في اكثر من منطقة في العالم.

 

وإلى جانب ما تحتمله الخطوة الجديدة، ينبغي البحث عن تردداتها على ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان. فلكل من تعاطى بالملف دوره ويمكن استثمار نتائجه في لبنان. وإن انشغل احدهم بالبحث عن مدى تجاوب الدول الكبرى ولا سيما منها الولايات المتحدة وروسيا مع الخطوة الجديدة، ينبغي القول انّ القيادة السعودية أبلغت إلى اصدقائها في واشنطن بالخطوة. فوزير الدفاع الاميركي كان يشارك في المناورات العسكرية التي تحاكي «الدرونز» الايرانية في الصحراء السعودية، وكان الوزير بن فرحان قبل ايام قليلة في موسكو ليبلغ القيادة الروسية بما سيعلن عنه، ولم تكن لا قطر ولا سلطنة عمان ولا تركيا غافلة عمّا جرى في بكين ما بين السادس والعاشر من الشهر الجاري، من مفاوضات على مستوى البلدين، عندما تمثلا بحضور وزير الخارجية الصيني وانغ بكل من الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني ومستشار الأمن الوطني السعودي الوزير مساعد بن محمد العيبان.

 

وبناءً على ما تقدّم، ألا يجدر بالمراقبين احتساب خطوة السيد حسن نصرالله بدعم ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية، وسط تساؤلات عن حجم رضا المملكة العربية السعودية عن الخطوة. ولطالما انّها قطعت هذه الأشواط في علاقتها مع طهران، فما الذي يمنع ترجمة أي تفاهم ثنائي بينهما في لبنان وفي وقت قريب. وقد يُقاس مداه الحيوي في موازاة برمجة عودة الديبلوماسيين إلى البلدين في غضون شهرين من الآن، حيث على الجميع ترقّب كل جديد على هذا المسار يوماً بيوم وساعة بساعة.. فلننتظر.